أخيرا، وبعد 8 سنوات من دخوله في غيبوبة، أعلن مستشفى تل هشومير، قرب تل أبيب، ظهر السبت، وفاة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون رسميا عن عمر ناهز ال 86 عاما. وجاء هذا الإعلان ليطوي صفحة رجل مثير للجدل؛ حيث يعتبره الإسرائيليون "بطلا قوميا"، بينما ينظر إليه العرب والفلسطنيون على كونه "سفاح"، حيث يحيون سنويا ذكرى مجارز شارك في ارتكابها وخاصة مجزرة "صبرا وشاتيلا" التي راح ضحيتها المئات من اللاجئين الفلسطينين بلبنان. في 26 فبراير 1928، ولد شارون في قرية كفار ملال بفلسطين أيام الانتداب البريطاني، وكان والداه من اليهود الأشكناز، الذين هاجروا من شرقي أوروبا، حيث ولد أبوه في بولندا، بينما ولدت أمه في روسيا. قبل ستة أشهر فقط من عيد ميلاده الثامن والسبعين، أصيب شارون بجلطة دماغية قوية مطلع عام 2006، أدت إلى انهياره فجأة، وفي حينها، نصح الأطباء في مستشفي هاداساه في القدس أسرة رئيس الوزراء الأسبق، بأن يتركوه يموت في سلام، لكن أجهزة العناية الطبية الحديثة، سمحت لشارون بأن يعيش 8 سنوات إضافية، على الأقل بجسده، حيث تلقى زيارات شبه يومية من ابنيه جلعاد وعمري. حياة عسكرية منذ الطفولة انخرط شارون وعمره 14 عاما، في صفوف منظمة الهاجاناه (ميلشيا مسلحة) عام 1942، والتحق بالجيش الإسرائيلي فور إعلان قيام دولة إسرائيل، ونصب قائدًا لسرية مشاة في لواء ألِكسَندروني، وهي السرية التى ارتكبت مذبحة "اللد" عام 1948، والتي راح ضحيتها 426 فلسطينيًا، بحسب مصادر فلسطينية، بعدها وقع شارون فى أسر الجيش الأردني في معارك اللطرون عام 1948، على يد النقيب حابس المجالي، قبل تحريره في صفقة تبادل أسرى. عام 1953 شهد عودة شارون للحياة العسكرية، بطلب من الجيش الإسرائيلي، ليقود الوحدة 101 ذات المهام الخاصة، وهي الوحدة التي ارتكبت بمذبحة "قبية" فى خريف العام ذاته، حيث قام جنود إسرائيليون تحت قيادة شارون بمهاجمة قرية "قبية"، الواقعة في الضفة الغربية، وقتلوا 170 من المدنيين الأردنيين والفلسطينيين أثناء اختبائهم في بيوتهم التي تم تفجيرها، كما تم هدم 45 منزلًا ومدرسةً واحدة ومسجدًا، تولّى شارون بعدها قيادة لواء المظلّيين في عام 1956 وشارك في العدوان الثلاثي على مصر، وفي عام 1957 التحق بكلّية كمبِيرلي سْتاف ببريطانيا. انقطع شارون لفترة عن الجيش، توجه خلالها لدراسة الزراعة، وعمل في مزارع "الموشاف" ( مستعمرة تعاونية نشاطها الأساسي الزراعة)، ثم انتقل لدراسة التاريخ والقانون بالجامعة العبرية بالقدس عام 1953، ثم درس الحقوق في جامعة تل أبيب (1958م- 1962)، وأتقن أثناء دراسته العبرية والإنجليزية والروسية، وبعد عودته للجيش عام 1962، ترقى وأصبح مسؤولاً عن الجبهة الجنوبية، ومن ثم أصبح القائد العام في عام 1967، وخلال الحرب الإسرائيلية العربية في العام ذاته قاد جيش بلاده للسيطرة على هضبة الجولان الأردنية، والضفة الغربية، وصحراء سيناء المصرية. بعد الهزيمة التي تلقاها الجيش الإسرائيلي في حربه مع مصر عام 1973، تمت تنحية شارون من منصبه، وتعيينه رئيساً لقسم الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، وفي عام 1974 انتخب ليصبح عضواً في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، قبل أن يتولى منصب وزير الدفاع عام 1981. "بلدوزر" ضد السلام عارض شارون توقيع اتفاقية السلام مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 بعد مصافحة رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، إسحق رابين، الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، كما عين في العديد من المناصب الوزارية، من أبرزها تعيينه لتولي وزارة الخارجية عام 1998، وترأس بعدها حزب الليكود اليميني، بعد استقالة بنيامين نتنياهو عام 1999. وفي عام 2001، فاز شارون في الانتخابات التشريعية، ليتولى رئاسة الوزراء، وفي نهاية الشهر ذاته أمر القوات الجوية الإسرائيلية بشن هجوم على مراكز الأمن الفلسطينية، وأعيد انتخابه لدورة ثانية لرئاسة الوزراء عام 2003. ثمة 4 أحداث رئيسية تربط شارون بأذهان الفلسطينيين، وهي مجزرة "صبرا وشاتيلا"، وانسحاب إسرائيل من غزة، ووفاة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (1929 - 2004)، بعد حصاره في مقره في رام الله، فضلا عن أن شارون كان يقود بنفسه عمليات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية منذ العام 1967، وخلافا لجميع القادة الإسرائيليين فإن شارون، لم تربطه، أي علاقة عمل سياسي مع القادة الفلسطينيين، وحتى عندما طرح خطة الانسحاب من غزة، في 2 فبراير 2004، اختار أن ينفذها منفردا، وبدون تنسيق مع السلطة الفلسطينية، وهو ما حدث أيضا مع خروج المستوطنين الإسرائيليين من غزة في 12 سبتمبر 2005. "البلدوزر"، و"السفاح" كما كان يسميه الفلسطينيون، هو أحد أبرز قادة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، منذ عام 1967، شارك في كل الحروب التي خاضتها إسرائيل، ولم ينس الفلسطينيون، قيادة شارون، عندما كان وزيرا للدفاع في إسرائيل، لعملية غزو لبنان عام 1982، للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، دون الرجوع إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، مناحم بيغن، ومحاولاته العديدة لقتل الرئيس الفلسطيني، الراحل ياسر عرفات، ثم دوره في مجزرة الفلسطينيين بمخيم صبرا وشاتيلا في لبنان، والتي تسببت بطرده من منصبه عام 1983، بعد المجرزة التي واستمرت 3 أيام على يد حزب الكتائب اللبناني، وجيش لبنان الجنوبي والجيش الإسرائيلي، وتراوحت فيها تقديرات عدد القتلى بين 750 و3500، أغلبيتهم فلسطينيين، وبينهم لبنانيين. "قاتل" عرفات أحمد عبد الرحمن، مساعد عرفات (رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المنتخب عام 1996)، قال في كتابه "عشت في زمن عرفات" الذي نشر في كانون الأول الماضي "كره شارون لعرفات، لم يتوقف بخروج الأخير، من بيروت، لكنه استمر حتى ما بعد إبرام اتفاق أوسلو، بين منظمة التحرير الفلسطينية، وإسرائيل في عام 1993، وبدا هذا الكره واضحا عندما تقابل شارون وجها لوجه مع عرفات في منتجع واي ريفر، في ولاية ميريلاند بالولايات المتحدة، يوم 15 أكتوبر 1998، ولم يصافحه، ولو لمرة واحدة، ولم يتبادل معه أي كلمة خلال خمسة أيام". أحمد قريع "أبو علاء"، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، يصف شارون في كتابه "الرواية الفلسطينية الكاملة للمفاوضات من أوسلو إلى خريطة الطريق" قائلا: "شارون الذى التقيته أول مرة، في فندق الملك داود (في القدس الغربية) يوم 15 فبراير 1998، رغم أن عمره كان 70 عاما، كان أقرب ما يكون إلى جنرال في مقتبل العمر، عائد لتوه من معركة حربية ظافرة، تملؤه مشاعر الزهو، والاعتداد بالنفس، مفعم بسحر القوة، وقدرتها على صنع الحقائق الجديدة، أو إلى زعيم ألقت عليه الأقدار، مسؤولية تنفيذ مهمة إلهية خارقة لنواميس الطبيعة". شارون بحسب الفلسطينيين، هو من أطلق الشرارة الأولى، لانتفاضة الأقصى الثانية في 28 سبتمبر عام 2000 التي اندلعت فيها المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عقب دخوله إلى باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه. واستمرت هذه الانتفاضة حتى 8 فبراير2005، وخلفت ورائها 4 آلاف و412 قتيلا فلسطينيا و48 ألف و322 جريحا، وخسر الجانب الإسرائيلي ألف و69 قتيلا ونحو 4 آلاف و500 جريح. دخول شارون المسجد الأقصى جاء في أعقاب فشل مفاوضات "كامب ديفيد" علام 2000، وهي قمة عقدت بين عرفات، ورئيس وزراء إسرائيل حينها أيهود باراك، برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون لمدة أسبوعين كاملين، لكن المفاوضات فشلت، ورغم أن مشهد شارون، وهو محاط بالآلاف من عناصر الشرطة، والجيش الإسرائيلي، في ساحات المسجد الأقصى، قد أثار غضب الفلسطينيين، وأشعل الانتفاضة، لكنه، بحسب مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين، تسبب في تحقيق حزبه فورا كبيرا في الانتخابات الإسرائيلية عام 2001. انسحاب شارون، وتفكيكه المستوطنات الإسرائيلية، في قطاع غزة في 12 سبتمبر 2005، صعد من وتيرة المعارضة داخل حزبه (الليكود) وهو ما دفع شارون إلى تشكيل حزب "كاديما" (تعني بالعبرية: إلى الأمام)، في نوفمبر 2005، ضم فيه شخصيات من (الليكود)، وأحزاب (المركز)، وحتى من حزب (العمل) الإسرائيلي، بما قاده للفوز مجددا في الانتخابات الإسرائيلية، ليبقى رئيسا للوزراء، حتى دخوله في غيبوبة عميقة، بعد إصابته بسكتة دماغية، في يناير 2006. الفلسطينيون يحملون شارون المسؤولية عن موت ياسر عرفات، وذلك بعد محاصرة مقره في مدينة رام الله، بدءا من 29 مارس 2002، وهو ما أدى إلى تدهور متصاعد في حالته الصحية، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، في 11 نوفمبر2004، وبعد وفاة عرفات بأكثر من 9 سنوات، تعلن وفاة شارون، الذي قال عنه ابنه جلعاد في كتابه "شارون سيرة زعيم"، "لم نكن لنسامح أنفسنا أبدا إذا لم نقاتل حتى النهاية"، عندما أظهر جهاز المسح الضوئي أن الأمر قد انتهى بالنسبة لشارون.