ثغرات في النص والتطبيق تعاني منها "مدونة الأسرة"، رصدتها فاعلات نسويات في ندوة دعت إليها "النساء الاتحاديات"، اليوم السبت، احتضنها مقر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالرباط. الندوة التي عرفت مشاركة جزء من الطيف الحقوقي المدافع عن حقوق المرأة بالمغرب، ذكرت أن هناك محطات أخرى قادمة للاستماع إلى الساحة المدنية من أجل صياغة مذكرة ترافعية تقدم للأحزاب. وشهد النشاط حضور الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، في سعي إلى "التكامل بين العمل الحقوقي المدني والعمل السياسي". رحاب حنان، الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات، قالت إن هذه الندوة "مائدة للنقاش والاستماع (...) والتكامل بين العمل الحقوقي المدني والعمل السياسي، واللجوء لكل السياسيين من أجل التغيير الذي ننشده في مدونة الأسرة بعد 18 سنة من التطبيق، والأحكام القضائية". واستحضرت المتدخلة "النقاش الذي لم يكن سهلا، منذ عقدين، والتجاذب المجتمعي الكبير والحاد إلى درجة القسوة على بعضنا"، لكن "استطاعت مدونة الأحوال الشخصية الخروج، لإرادة عليا بالبلاد وتلاحم الفاعلين، وتوالي المذكرات والمطالب والترافعات"، قبل أن تدعو إلى "عمل متناغم من أجل مدونة تحقق المساواة كما نريدها". عائشة لخماس، ممثلة اتحاد العمل النسائي، ذكرت أنه رغم تشكيل "مدونة 2004 تقدما وتطورا في أوضاع النساء، وهذه حقيقة لا يمكن تجاوزها، إلا أن مكتسباتها كانت معنوية، ولم تنعكس على وضع المرأة المغربية داخل المجتمع". وأضافت: "منذ البداية، حملت المدونة إشكالات وعيوبا من الناحية السياسية، فقد كان يجب أن يكون قانونا يناقش الأسرة المغربية، لا قانونا يحمل التوافق بين اتجاهات معينة، بأسلوب تلفيقي، منَع المدونة من تأدية الدور المطلوب منها". ورأت لخماس أن "كل التراجعات مصدرها الفصل 400 من المدونة"، الذي "أعطى في غياب نص صريح اللجوء إلى المشهور من الفقه المالكي"، وقالت: "يوجد (الفقهاء) في الدماغ عندنا (...) مما أفرغ النص من معناه." واسترسلت شارحة: "وقع انقلاب على المدونة عند تطبيقها، كما يقع الانقلاب على الثورات، وانقلب حتى على بنودها المتطورة؛ فتعطلت نهائيا مساطر الحد من تعدد الزوجات، وصار تزويج الطفلات يتم حتى دون استشارة الطفلة، وارتفعت نسبة المتزوجات من هذه الفئة ونسبة طلاقهن ونسبة الوفاة عند الأمومة، مما جعل النيابة العامة تستيقظ وتجري دراسة". وواصلت بأن "لغة المدونة لم تعد مقبولة، بتعبيرات مثل (الفراش)، التي هي لغة لا نجدها في القرآن، وهذا علم صنعه الفقهاء، وبدل لغة (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)، نجد المرأة تعامل كشيء، بقول إن النفقة مقابل المتعة (...) في لغة معيبة مقارنة بالدستور وما صادق عليه المغرب من اتفاقيات." ومع التنبيه إلى "مطبات" النفقة ومعاناة النساء في البحث، دعت الناشطة النسائية ذاتها إلى "إلغاء تعدد الزوجات نهائيا، علما أن المغاربة ألغوه بنسبة تزوج تحت الصفر"، كما دعت إلى تشريع "المساواة في الإرث"، مشيرة إلى وجود "آيات أخرى حول الوصية، علما أن آيات الوصية في التطبيق تعطَّل، وهذا مجال المال لا العبادات ويمكن الاجتهاد فيه"، متسائلة: "لم لا نستحضر الدين عند من لا يرثن في أراضي الكيش والجموع والأراضي السلالية والأراضي المسترجعة؟". وختمت المتدخلة كلمتها داعية إلى "التعبئة الشاملة"، موردة: "لا نحلل ما حرم، ولكن نحتاج مدونة حقيقية تحل مشاكل الأسرة الحقيقية، لا مدونة يرجع منها الفقه والكلام الذي لم يعد له مكان." فاطمة الزهراء الشاوي، عن الجمعية المغربية لمناهضة العنف ضد النساء، قالت إن "الصراع بين الحداثيين والمحافظين قد أعطانا مدونة متناقضة، لأن محاولة التوفيق والخاطْرْ هنا وهناك، أعطتنا هذه التناقضات التي تضاف إلى واقع العقليات آنذاك". هذا "التوفيق" نتجت عنه "تناقضات في الولاية للأب، والقوامة، وفصول تمييزية، مثل إسقاط الحضانة عن الأم في حالة زواجها، وعدم إسقاط حضانة الأب في حالة زواجه، والوقوف دون أن تسكن المرأة بعيدا عن مقر سكن الزوج، ومنعها من استصدار جواز السفر، أو وثيقة، أو فتح حساب بنكي للأبناء دون موافقة الزوج". واعتبرت المتدخلة أن واقع المغرب قد تغير في العقدين الماضيين، و"في 2004 عرفنا أننا كنا في مواجهة المحافظين، واليوم لا نعرف نحن في مواجهة من؟". سعاد بطل، عن فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق النساء، تحدثت عن "دينامية الخطاب الملكي" الداعي إلى تعديل مدونة الأسرة، وعن دور المرأة في المجتمع، الذي ينبغي أن تطالب في إطاره الحركة النسائية ب"ملاءمة مدونة الأسرة مع الاتفاقيات الدولية". بشرى عبدو، عن جمعية التحدي للمساواة، رصدت "ثغرات واختلالات عديدة في المدونة، ومعاناة مغربيات عدة في المحاكم المغربية". وقالت: "لقد اعتبرنا التغيير في سنة 2004 ثورة هادئة من أجل أسرة منسجمة تحمي كافة مكوناتها، لكن التطبيق أمر آخر"، مما يدفع إلى المطالبة ب"قانون عصري ينبني على المساواة بين النساء والرجال، ويغير مصطلحات نمطية مثل (النشوز، المتعة، النفقة)". ثم زادت: "كل مؤسسات الدولة تتحدث عن تزويج القاصرات، بأرقام مخيفة، وآثاره السلبية، من طلاق مبكر وأطفال شوارع وأطفال في وضعية صعبة"، أما "النسب الضعيفة لتعدد الزوجات، فتدعو إلى الإلغاء، في ظل وجود تحايل على القانون، بتغيير مكان السكنى وتزوير الوثائق الإدارية (...) ويجب أن نأخذ بالخبرة الطبية لإثبات نسب الطفل، ليأخذ اسما ونسبا وهوية، وينبغي النص صراحة على الخبرة الجينية لإثبات نسب الأبناء، لا أن نسمح بضياع حقوقهم الأساسية". فريدة اليوموري، ممثلة المركز المغربي للأساتذة الجامعيين للبحث في قضايا النوع والتنمية، رأت أن مراجعة مدونة الأسرة ينبغي أن يتم لأنها "تهم المجتمع ككل، لا المرأة فقط"، ثم وقفت عند نقط اعتماد الجنسية كمعيار لا الديانة، وإثبات البنوة الجينية، ومحاسبة المزور في الاسم أو العنوان للامتناع عن أداء واجب دون انتظار طلب من المتضررة. عائشة الكلاع، رئيسة جمعية حقوق الضحايا، سجلت أن "الطرف الأضعف في هذا القانون هو المرأة والطفل"، وقالت: "شكليا، نزعنا القدسية عن المدونة، لكن عمليا القدسية مستمرة كقانون وكتفعيل، وفي كيف ينظر إليه المجتمع المغربي". وأضافت أن "الفاعل السياسي ذا التوجه الليبرالي يمكن أن يكون محافظا أيضا"، ثم زادت: "لا أثق في أن هذه الحكومة ستنتصر لما نطالب به في إصلاح المدوَّنة، ولا أظن أنه ستكون لديها جرأة كبيرة، ولو رفعنا سقف مطالبنا، وهي حكومة تتعامل مع مطالب النساء لا بمنطق التمكين بل بمنطق الإحسان". ودعت المتدخلة إلى "التكوين الحقوقي للقضاة والمحامين"، وتعديل "كل القوانين المتعلقة بالحالة المدنية، والقانون الجنائي، حتى لا تبقى اختلالات كبرى في قوانين أخرى".