هذا مقال تحليلي لبعض المقتضيات التي جاء بها قانون المالية برسم سنة 2023 والتي ترمي إلى سن نظام تضريب جديد للمهن الحرة وبخاصة منها قطاع المحاسبة والتي أثارت سخط المحاسبين على غرار المهن الحرة الاخرى: إن مقتضيات مشروع قانون مالية 2023 وخاصة منها المواد 4، 15 مكرر، 45 مكرر و170 التي تقضي بسن نظام تضريب جديد للمحاسبين المعتمدين جاءت منافية لأحكام المادة 39 من دستور المملكة لسنة 2011 وكذلك لروح القانون 69.19 على الأقل للأسباب التالية: 1- أن مهام المحاسب المعتمد أصبحت منظمة بالقانون 127.12 والذي حصر شكل المقاولات والشركات التي من خلالها يمكن للمحاسب المعتمد أن يمارس مهامه (المادتين 7 و8)، كما أن المهام نفسها محددة بدقة في المادة 1 من نفس القانون بما في ذلك ما قد يعتبر منافيا لمهامه (المادة 16). 2- يجب الإشارة إلى أن المقاولات المنصوص عليها في المادتين 7 و8 من القانون 127.12 ملزمة بمسك المحاسبة وأنها تخضع لزاما للقوانين الضريبية وفق النظام العام، وعليه فإنها لا تستفيد ولا تتمتع بأي إعفاء أو استثناء اللهم ما تعلق بمقتضيات من القانون العام. 3- أن أعمال ومهام المحاسب وبنسبة 99% في واقع الأمر تنجز لفائدة المقاولات الممسكة لزاما للمحاسبة وعليه فأعماله لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تكون عرضية أو ذات طبيعة مزدوجة تحت طائلة التنافي (المادة 16 من القانون نفسه). 4- وحيث إن كل هاته المقاولات ملزمة بالتصريح المنصوص عليه في المادة 151 من المدونة العامة للضرائب (م.ع.ض) مما يتيح لإدارة الضرائب حصر رقم معاملات مكاتب المحاسبة وتقاطعه مع زبنائه إلكترونيا. 5- أن الاقتطاع من المنبع يعمل به عادة بالنسبة للمقاولات والأشخاص الذين ليس لهم مقر ضريبي بالمغرب أو لهم موطن ضريبي بالمغرب لكنهم لا يمسكون المحاسبة، وكذلك بهدف تضريب بعض الأشخاص أو العمليات ذات الطابع العرضي غير أن كل أعمال المحاسب المعتمد تنجز عبر وبواسطة مقاولته في إطار النظام العام. 5- أن الاقتطاع من المنبع كما نصت عليه المواد ذات المراجع أعلاه من مشروع قانون مالية 2023 لا تحقق الغاية من الإصلاح الجبائي ولا العدالة الجبائية كما جاء به القانون 69.19، وذلك للأسباب التالية: أن مقاولة المحاسب المعتمد جلها من المقاولات الصغرى المتوسطة والتي تم رفع سعر تضريبها من 10% إلى 20%. بما أن مقاولة المحاسب المعتمد تخضع ضريبيا للقانون العام فإنها بمقتضى ما جاء به مشروع قانون مالية 2023 قد تم استثناؤها من الاستفادة من إجراءات تحديد السعر الموحد للضريبة على الشركات وكذلك المقاولات، على اعتبار أن أساس التضريب وقع على رقم المعاملات وليس على صافي أساس الحصيلة الخاضعة للضريبة قانونيا. أن المقاولات الجديدة لا تستفيد من السعر المخفض الأدنى للضريبة ب 2.5 % بالنسبة للشركات و4 % بالنسبة للأشخاص الذاتيين حتى في مرحلة بداية نشاط المقاولة خلال مدة 36 شهرا، عكس ما نصت عليه المادة 144 من المدونة العامة للضرائب التي تقر بالإعفاء خلال هذه المدة. أن مقاولة المحاسب المعتمد أصبحت ملزمة بتسديد 20 % من رقم معاملاتها الشهري عبر الاقتطاع من المنبع بواسطة المقاولات المستفيدة من خدماته، وهذا ما سيخلف آثارا سلبية على المحاسب أولا كما على المقاولة المستفيدة من خدماته. إن من الوقائع المنشئة لأداء الضريبة من المنبع يقع بمجرد قيد الأتعاب بمحاسبة المقاولة المستفيدة مما يجعلها ملزمة بأداء مبلغ 20 % هذا بغض النظر عن تاريخ أداء فاتورة أتعاب المحاسب. بالنسبة للمحاسب يقتطع من أتعابه 20 % ومن آثار هذا قد ينتج الآتي: – إشكالية عدم أداء الفاتورة من طرف الزبون. – إشكالية عدم وفاء الملزم بالاقتطاع من المنبع بأداء الضريبة المقتطعة. – غموض المادة 170 (م ع ض) في ما يخص إمكانية خصم المبالغ المقتطعة من المنبع وكذلك إمكانية خصمها أثناء أداء الدفوعات الضريبية الأربعة المقدمة على الحساب. – كما لا تعفي الأشخاص الذاتيين من أداء الحد الأدنى للضريبة بنسبة 4 % خلال نهاية شهر يناير من السنة التي تلي إقفال الحسابات. – أن المحاسب المعتمد ملزم بأداء الضريبة بواسطة الاقتطاع من المنبع حتى في حالة تسجيل عجز موازنته السنوية. – أن هذه المبالغ الشهرية المؤداة مشمولة بحق الاسترداد الذي يعني ازدياد عدد ووتيرة النزاعات مع إدارة الضرائب. – خلق فوضى وإضافة أعباء أخرى على كاهل المقاولات، كما الأمر بالنسبة لمكاتب المحاسبة خلال نهاية كل شهر من أجل إنجاز الإقرارات الضريبية المتعلقة بالاقتطاع من المنبع. – الرفع من وتيرة وعدد التصاريح الضريبية الواجب الإقرار بها عبر مكاتب المحاسبة لفائدة المقاولات المستفيدة من خدماته لتنضاف لمجموع الإقرارات والتحصيل التي أصبح يقوم بها مكتب المحاسبة عوض إدارة الضرائب وقباضات الخزينة. خلاصة: إن من شأن هذه المقتضيات الجديدة حالة تطبيقها على مقاولة المحاسب المعتمد وكذلك الأمر لباقي المهن الحرة أن تضر بمصالحه المادية والمعنوية، على اعتبار أنه يتحمل نفقات الاستغلال والتسيير من أجور، أكرية، لوازم المكتب وتجهيزاته والتي للأسف الشديد لم يراع المشرع الضريبي أهمية خصمها من رقم المعاملات لإرجاع الحالة إلى وضعها الطبيعي وفق ما تنص عليه المدونة العامة للضرائب من مبادئ وأسس التضريب، غير أن التمييز أسس على قاعدة نوع النشاط المهني المزاول دونما اعتبار لهامش الربح الحقيقي الذي تحققه هاته المقاولات، ليظل معه أكبر ضحية لهذا الإجراء الجديد كل ممتهني الأعمال الوارد ذكرها في المادتين 15 مكرر و 45مكرر، وبالأخص منها المكاتب المنظمة والمهيكلة، كما أن النظام الضريبي الجديد لا يعالج البتة واقع المكاتب غير المهيكلة وبذلك لا تحقق الغاية التي يسعى إليها المشرع وهي الحد من التهرب الضريبي بل إنها ستزيد منه.