إن أكبر خدمة يمكن أن نقدمها للسينما المغربية هي مواكبة إصداراتها بالمقاربة والتحليل والنقد. فنقف عند الجوانب الإيجابية لتشجيعها وتنميتها، ونبين ونوضح ما يبدو لنا سلبيا لتداركه وتجاوزه في التجارب المقبلة. والنقاش يدور اليوم حول تجربة مغربية مهمة في رأي المتابعين للشأن السينمائي الوطني، تحمل توقيع نورالدين لخماري كاتبا ومخرجا. وحتى يكون التحليل والنقد منصفا فلا بد من الإشارة إلى جوانب الإيجابية والفرادة التي قدمتها تجربة "كازانيكرا"، والتي تظهر بدءا في محاولة نقل واقع المجتمع البيضاوي ومن خلاله المجتمع المغربي بدون مساحيق التجميل التي درجت بعض الأعمال على وضعها شكلا ومضمونا. فالشريط عرض الواقع المغربي في أكثر نقاطه سوداوية، مع معارضتنا لطريقة النقل مما سنأتي على ذكره بعد حين. وكان أمينا إلى حد كبير في رصد تفاصيل هذا المجتمع وحيثياته مما تنكرت له مجموعة من التجارب السينمائية والتلفزيونية. والتي ظلت تتكلم لغة لا يتكلمها جميع المغاربة، وتظهر أوضاعا لا تعيشها القاعدة الشعبية المغربية. فليس كل المغاربة يركبون السيارات الفاخرة، ويسكنون الفيلات الواسعة، ويعملون في المكاتب المكيفة ويتكلمون اللغة الراقية... ولطالما عانينا في أعمال كثيرة من المقاربة السطحية والتناول البسيط والساذج للقضايا، بعيدا عن الهموم الحقيقية التي يحترق بنارها المغاربة في بيوتهم وشوارعهم ومقرات عملهم، مما ناوشه نورالدين لخماري بجرأة لا يمكن إنكارها. "" ومن جهة ثانية، فهناك جانب آخر أثار نقاشا مهما حول شريط "كازانيكرا" وهولغته المباشرة والجريئة(...) مما اختلف حوله المشاهدون اختلافا كبيرا. حيث هناك من يرى أن حضور هذه اللهجة عنصر إيجابي، مدعيا أن هذا هو واقعنا وهذه هي لغته، فلم تلميع الصور؟ وهناك من يعارض هذا التوجه ويعتبره مخلا بالحياء بطريقة غير مسبوقة، أحرجت معه العائلات التي اعتادت على مشاهدة الأشرطة المغربية مجتمعة مما أفاضت في الحديث عنه بعض المنابر الإعلامية الوطنية. وفي هذا المضمار نشير إلى نقطتين تضيء النقاش المحتدم على هذا المستوى: - الأولى: إن اللغة أو اللهجة المستعملة على أهميتها لا تعدو أن تكون عنصرا شكليا، لا يجب أن يسرق اهتمامنا بما هو أهم، من أحداث ومواقف وأحاسيس... هي لحمة أي عمل سينمائي. - الثانية: إن هذه المسألة ليست السينما المغربية فريدة فيها، فرواد السينما العالمية تجاوزوا هذا النقاش منذ زمان، مما يعتبرونه ضرورة لا غنى عنها أحيانا في تحقيق فعالية الحوار لتنامي الفعل الحكائي. لكن في مقابل كل ما سبق فاللهجة المستعملة مهما كان موقفنا منها والنقل الجريء للواقع المغربي مهما كان احتفاؤنا به، لا يجب أن ينسينا جوانب أخرى أكثر أهمية. من قبيل الإجابة عن سؤال: ما هي القضية المحورية التي يعالجها الشريط؟ فنلاحظ هذا النهم الكبير لدى معدي شريط "كازانيكرا" على المعالجة الكمية بدل التناول الكيفي. فلا يخالفني كل من يشاهد الشريط في أنه طرق مواضيع كثيرة جدا: البطالة/الهجرة/وضعية الشباب/ التناقضات الاجتماعية/العنف ضد النساء/الشذوذ الجنسي/الربح غير المشوع/وضعية العمال.... وغيرها مما يجعل المشاهد لا يقبض على خيط معين حتى يضيع منه أمام خيط آخر أكثر حدة، وهكذا فقد ضعنا فعلا في دوامة القضايا المتعددة والمواضيع المتناسلة أمام غياب بناء حكائي متماسك. حتى إن المشاهد يمكنه مغادرة قاعة العرض لدقائق كثيرة دون أن يجد أي مشكلة في المتابعة أمام غياب توال موحد أو حتى متعدد للأحداث، وغياب المحرك الأساس في الحكي، القادر على خرق أفق انتظار المتلقي أو زعزعته على الأقل. مما يغيب معه عنصر التشويق الذي يعد مكونا أساسيا من مكونات الحكي السينمائي. فنكاد نعتبر أن أهم مشكلة يعاني منها الشريط هي افتقاده لعقدة حقيقية بافتقاد اجتهاد فعلي في حبكها، ومن تم البحث عن حلول مناسبة لها. فقد ظننا أن العقدة في بحث أحد البطلين عن مقدار مالي للهجرة، ثم ظننا بعد ذلك أن العقدة في اغتيال الشاذ الجنسي، وبعدها ظننا أن العقدة في العمل مع المستثمر الجشع وهكذا... ولعل هذا ما يبدو جليا حين ينتهي الشريط بالطريقة التي ابتدأ به. فلقطة الهروب من رجال الشرطة هي بداية ونهاية في نفس الوقت، لتعود الأحداث إلى حيث ابتدأت، فهي على كل حال لم تراوح مكانها. فمتى نتخلص من عقدة "كمل من راسك" التي درجت عليها بعض الأعمال السينمائية المغربية؟. ولا نحتاج إلى التذكير بأن مهمة السينما والأعمال الفنية عموما هي إثارة المواضيع واقتراح حلول مناسبة لها. وهكذا تستطيع ممارسة وظيفتها في قوة الاقتراح وممارسة التغيير الذي تضطلع به الفنون عبر التاريخ، أما نقل الوقائع كما هي فهي وظيفة تؤديها الأشرطة الوثائقية بكل أمانة. وخلاصة القول فإن "كازانيكرا"، أولا: رد الجمهور إلى قاعات السينما على نطاق واسع وهذه أولى إيجابياته. وثانيا: فقد فتح نقاشا عميقا حول "لغة السينما المغربية" بين كل من شاهد هذا الشريط. وهوحافز لنقل النقاش إلى "لغة الأغنية"، و"لغة المسرح"، و"لغة المسلسلات". لكن من جهة أخرى نؤكد على غياب قضية محورية تستدعي قضايا وأحداثا ثانوية، أمام تعدد الخيوط والقضايا إلى درجة أفقدت الشريط لذة المتابعة من هذا الجانب. كما نسجل افتقاده لبناء درامي متماسك وعقدة محبوكة يتحقق معهما عنصر التشويق المفتقد. غير أن كل هذا لا يفقد التجربة فرادتها وأهميتها وجرأتها، كلحظة لا بد منها في الصيرورة التي تراكمها السينما المغربية. [email protected] شاهد " تريلر " فيلم كازانيكرا