من الإجراءات السطحية إلى الواقع المعاش في غياب سياسة حكومية مندمجة ومستدامة، تبقى الإجراءات العمومية المتخذة في مجال الإدماج الاجتماعي والاقتصادي محدودة المفعول. إذ كان من الأجدر تفعيل هذا الورش في إطار النموذج التنموي الجديد ومن خلال رؤية استراتيجية واضحة وعلى المدى المتوسط والبعيد، وذلك بغية تحقيق وقع ملموس على المجتمع المغربي وكل الأصعدة الوطنية والجهوية والمحلية. وبخصوص تحسين الدخل، فإن هذا الإجراء لا يجب أن ينحصر فقط على الحد الأدنى من الأجر، بل يجب أن يشمل الطبقة المتوسطة التي تمثل أكثر من 51 بالمائة من الساكنة المغربية وبمعدل دخل شهري يناهز 6000 درهم. إذ تضررت الطبقة المذكورة بشكل كبير جراء الارتفاع المستمر للأسعار والناتج عن التضخم المستورد. ويتعين تعميق التفكير لمراجعة نسب الضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة، من خلال إبداع ضريبي يعوض الدولة الخصاص الذي سينتج عن تخفيض هاته الموارد الضريبية. إذ يتوجب خلق جيل جديد من الضرائب، يخص الثروات النقدية والمادية للفئات الغنية والميسورة. وفي ما يتعلق بالتحفيز على ريادة الأعمال، فإن الإجراءات المتخذة تبقى دون تطلعات حاملي المشاريع والمقاولين الشباب. على سبيل المثال، يعد المشروع التمويلي "فرصة" مبادرة تمويلية حكومية محدودة جدا، حيث ينحصر المبلغ التمويلي في 100.000 درهم، علما أن أغلب الميزانيات التوقعية لحاملي المشاريع الصغيرة تبدأ من مبلغ 300.000 درهم وتبلغ أحيانا 1.000.000 درهم. ناهيك عن بطء مسطرة الانتقاء، إذ لا يزال الراغبون ينتظرون الحصول على التمويل المقرر. وفي ما يخص تحسين التشغيل لدى الشباب، يبقى هذا الورش من أكبر تحديات الحكومة الحالية حيث وصل معدل البطالة على المستوى الوطني إلى ما يناهز 12 بالمائة. إذ يتخرج في كل سنة جامعية ما يقارب 200.000 حامل شهادة عليا، ويتطلب إدماجهم في سوق الشغل إجراءات حكومية فعالة كشراكات عمومية-خصوصية لتوظيف الأطر المتخرجة من الجامعات والمدارس العليا، وكذا فتح مناصب تشغيل خارج نقط النمو خصوصا في فئة المهندسين أصحاب الشواهد العليا. أما بخصوص الشراكات مع الشركات الأجنبية والمتعددة الجنسيات لخلق مصانع جديدة ببلادنا، فيتعين تأطيرها وتوجيهها لتشغيل الأطر عوض التركيز أكثر على تشغيل عمال التكوين المهني، لأن اكتساب العلم وتطوير المعرفة الوطنية يبقى مهما من الخدمة التقنية المتكررة. وفي ما يتعلق بالبرنامج الحكومي "أوراش"، والذي يراهن على توفير مناصب شغل عمالية محلية غير مستدامة، فإنه يبقى محدود الفعالية لكونه سينتج بطالة عمالية جديدة مع نهاية الولاية الحكومية الحالية. إذ كان من الأجدر، تطوير مشاريع تخص هاته الفئة من المجتمع بشراكة مع القطاع الخاص والتعاونيات المهنية من خلال مناصب شغل قارة وعبر دعم مالي عمومي مبرمج على المدى المتوسط، قصد إنجاح هذا الورش الاجتماعي العمومي. وبالتالي، يبقى إنجاح الإدماج الاقتصادي والاجتماعي ببلادنا مرتبطا بمجموعة من الشروط: كإجراءات حكومية فعالة للتصدي للارتفاع المستمر للأسعار والذي ينهك القدرة الشرائية للمواطن، وعمليات تمويلية سلسة ومبسطة لفائدة نسيج المقاولاتي المغربي، وفرص شغل حقيقية للشباب حاملي الشواهد العليا، وإجراءات فعالة وفورية لتحسين الدخل الفردي المتوسط من خلال تخفيف الضغط الضريبي على الطبقة المتوسطة.