استعادةٌ لتاريخ مشترك جمع المغرب والأندلس، وامتد إلى السودان الغربيّ، حضر في ندوة لأكاديمية المملكة المغربية، الأربعاء، بمقرها في الرباط، مع تطلّع مشترك لاستثمار هذا التاريخ في مستقبل العلاقات بين المملكة وإسبانيا. خيرونيمو بايث لوبيث، الرئيس المؤسس لمؤسسة "التراث الأندلسي"، غرناطيّ المولد، تحدث عن مشروعه الهادف إلى "تقريب الحضارة المغربية والعربية من الأندلسيين والإسبان، لأنها جزء من الهوية الإسبانية". وأضاف لوبيث في محاضرته الافتتاحية بعنوان: "المغرب – إسبانيا: تاريخ حافل ومتشابك ومثمر عبر القرون": "أنا أندلسي غرناطي، لذا أسعد بالوجود في المغرب، وأحببته كما أحببت بلدي، وغرناطة أمازيغية مغربية أكثر من كونها عربية، ولو أن هذا قد يزعج البعض". وتابع المتحدث ذاته: "ورِثتُ شيئا من الإمبراطورية الرومانية، وأشياء من بني أُمية ويوسف بن تاشفين، علما أن هذا الإرث لا يشعر به بعض مواطنيَّ وبعض الأندلسيين، لكنني أدافع عن الواقع كما هو، رغم أنه كان هناك رفض لفكرة التاريخ المشترك". وبعد اقتباسات لمن زاروا المغرب من شبه الجزيرة الإيبيرية، ومن قطنوا به عبر القرون، ذكر المحاضر أن "مشاعر الكراهية" التي تعبر عنها اقتباساتٌ من كتابات رِحليّة "لا تعي أنه لو تمت الزيارة قبل قرون لكان الأمر مختلفا"؛ فقد كان هناك "زمن يعرف سلاسة في العلاقات الإنسانية الطبيعية، والعلاقات التجارية، قبل الحروب الصليبية التي انقطع معها التعايش، والنزعة الانتقامية التي تولَّدت بعد سقوط القسطنطينية وسقوط غرناطة، حتى صار مضيق جبل طارق حدودا، بدل أن تكون شبه الجزيرة الإيبيرية امتدادا طبيعيا للمغرب". لكن، ما وقع هو "قطيعة، واندثار نموذجٍ ثقافي"، واليوم "يجب أن نكون إيجابيين لنستعيد هذا الجانب المشرق من علاقاتنا"، يقول لوبيث. وتحدث المحاضر أيضا عن اكتشافه هذه الأصول المتوارية وهو في عمر الثلاثين، قائلا: "لم يكن لي إلمام بجذوري العربية الإسلامية، كان لي اطلاع على الجانب المسيحي، لكن لما زرت فاس قادما من غرناطة اطلعتُ على مشاهد لم أطلع عليها سلفا، مثل وزّان الساحرة، في وقت لم أكن أعرف الكثير حول هذا الماضي المتشابك (...) هكذا أعدت استكشاف طفولتي، وغرناطة التي أسسها العرب والأمازيغ، ووجدت فاسوغرناطة كأنهما توأمان، وكان حدسي محقا"، ثم عاد ليقول إن حوليات مارمو "تُفهِمنا أن غرناطة أخت صغرى لفاس والمدن والحواضر المغربية"، وهو ما ينبغي معه "تصحيح هذه الأخطاء لتصحيح الفهم". وذكّر الباحث ذاته ب"العلاقات الإنسانية والثقافية والأخوية بين الأندلس والمغرب والمشرق"، التي اكتشفها، مع تخصيص وقت لدراسة المغرب وحضارته وجغرافيته وقُراه وصحاريه. واستحضر المتدخل "الأثر الإسلامي الواضح في العمارة الإسلامية" بالأندلس، قبل أن يضيف: "تم تغييب هذا، وينبغي الإقرار بأهمية هذا الأثر (...) وقد دُرِّستُ تاريخا سطحيا حول هذا الإرث، ولو أننا ورثَته وعلينا الافتخار به (...) وتوجد أفكار مشرقة اكتشفتها وهي مشوَّهة ومشوَّشة في الأذهان؛ ولنا مسؤولية لأننا لم نعرّف بالماضي المشرق الذي كان يجمعنا (...) والذي ظهر في زخَمه ابن حزم، وابن طفيل، وثيربانتس". ووصف المحاضر المرابطين والموحدين ب"بناة الحضارة"، وتوقف عند "الإرادة القوية" ل يوسف ابن تاشفين من أجل توحيد المسلمين، والتوسع في إسبانيا كلها تقريبا، بعد معركة الزّلّاقة، التي "كانت تغييرا جذريا في تاريخ الأندلس". وخلال الندوة الدولية المعنونة ب"المغرب والميراث الأندلسي في السودان الغربي"، المنظمة يومي الأربعاء والخميس 28 و 29 شتنبر الجاري، بمقر الأكاديمية، راهن خيرونيمو بايث لوبيث على مسؤولية الباحثين في التعريف ب"هذا الماضي المشرق" في بلدانهم. من جهتها، تطرقت مداخلة إدريس الضحاك، عضو أكاديمية المملكة المغربية، إلى "الميراث الكبير الذي تأسس في الأندلس وانتقل إلى السودان الغربي"، والذي "مهما تعددت الندوات واللقاءات كانت قليلة للإحاطة بزخمه". وزاد رئيس الجلسة الافتتاحية: "يقدم هذا الميراث الشيء الكثير في مصلحة التعاون بين المغرب وإسبانيا، لصالح الأجيال الحالية والأجيال المستقبلية".