على ضوء الصراع الواقع بسبب زلة إدريس لشكر أمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي، والذي فاه بأمور تناقض المعلوم من الدين بالضرورة، حيث طالب بمساواة الإرث - على زعمه، علما أن الإرث منظومة هندسية اجتماعية ليس فيه تفاضل أصلا حتى نطالب بالمساواة - وبتجريم الزواج بأكثر من واحدة، على أن شبابنا لا يستطيعون الزواج بواحدة فضلا عن التعدد... وطريقة لشكر في عرض أفكاره، التي عفا عليها الدهر وشرب، كانت مستفزة، ومستهترة بمشاعر المغاربة، ما حدى بالشيخ العالم الداعية عبد الحميد أبي النعيم، أن أصدر شريطا في "اليوتوب" بعنوان: "الرد النزيه، على لشكر بوحناك السفيه، وبيان كفره"، فأرعد فيه وأزبد، وأعلن تكفيره بواحا، ثم تعرض بالنقد اللاذع لوزارة الأوقاف والمجالس العلمية، والرابطة المحمدية للعلماء... وقد أحدث هذا الشريط ضجة كبرى، بحيث طار به العلمانيون واليساريون كل مطار، بل حتى القناة الثانية المغربية استغلته أبشع وأسوأ استغلال للتحريض ضد الشيخ أبي النعيم، وشيطنته، خاصة وأن قانون الإرهاب يجرم التكفير... وقد حضرت اجتماعا مصغرا اليوم بخصوص هذه النازلة، وكان ردي هو التالي: "المشكل ليس فيمن يُكَفِّرون، ولكن المشكل فيمن يَكْفُرون!!"... والمقصود بأن هناك عدة قوانين تنظيمية للفتوى، متعلقة بأهل العلم والمنتسبين إليه، وخطباء المساجد، وأهل الشأن الديني، ولكن لا يوجد قانون ينظم مسألة الدين والعقيدة على مستوى عامة المجتمع، بحيث أصبحنا نجد العالم مكمم الفم، لا يستطيع حتى التعبير عن رأيه في اختصاصه، في وقت نجد كل من هب ودب ودرج يتكلم في أدق شؤون العقيدة، والدين، والأحكام الشرعية التي لا ينظر فيها إلا الفقهاء المجتهدون، الذين مارسوا تلك الأمور وعاركوها... فالواجب إصدار قانون ينظم الكلام في الأمور الدينية، من فقه وعقيدة، وبجعل البت في تلك الأحكام، والتعبير عنها لنخبة من أهل العلم والاختصاص، كأن يكونوا من الحائزين على شهادة الدكتوراة، أو العالمية في العلوم الشرعية والعقيدة وما إليها، ويمنع سواهم من عامة المجتمع التدخل في ذلك إلا على وجه الاستفسار والسؤال... وإلا فإننا لن نعدم في مجتمعنا أناسا يتحدثون كإدريس لشكر، وأحمد عصيد، وغيرهما من المفكرين والسياسيين، ويعبرون عن آرائهم في أمور لا يفقهونها، وتمس صميم عقيدة الأمة، وأكثرها حساسية،وهي الدين...كما لن نعدم في المجتمع ممن يقوم ويكفرهم، لاعتقاده وقوعهم في ناقض من نواقض الإسلام، كالشيخ النهاري،والشيخ أبي النعيم... ولا أظن أن القضاء المغربي، ولا السلطات، يشرفها أن تلعب لعبة القط والفأر، في محاكمات طويلة، تنتهي بضجات إعلامية واحتقان شعبي كبير، ثم بعفو أو صلح متبادل، وكل ذلك نتيجة "عرج" قانوني يمنع أهل الاختصاص من التعبير عن آرائهم، ويسمح لغير أهل الاختصاص بالتعبير كما شاءوا تحت شعار "حرية الرأي"، فإذا كانت حرية الرأي تسمح في الوقوع في مسألة يعتبرها علماء الشريعة من الكفر، فلا أظن أن منطق "حرية الرأي" سيمنع العلماء وأهل الاختصاص من البوح بفتواهم في الإعلان عن وقوع في الكفر، والله تعالى يحاججهم بقوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ}. لشكر كفاءة في المجتمع، وأبو النعيم كفاءة في المجتمع، ولا نريد أن نضيع كفاءاتنا بين الإفراط والتفريط...