مستندة إلى التوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش الأخير (30 يوليوز 2022)، وانسجاما مع مرتكزات مضامين البرنامج الحكومي، حددت الحكومة الحالية أربع أولويات لمشروع قانون مالية سنة 2023، الذي شُرع في الإعداد له مستهل شهر غشت الجاري. وحسب منشور تأطيري لمشروع السنة المالية 2023، وجَّهه عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، إلى الوزراء والوزراء المنتدبين والمندوبيْن السامييْن والمندوب العام، تسعى الحكومة إلى "تعزيز أسس الدولة الاجتماعية، وإنعاش الاقتصاد الوطني عبر دعم الاستثمار، وتكريس العدالة المجالية، واستعادة الهوامش المالية لضمان استدامة الإصلاحات"، مؤكدة "عزمها على مواصلة دينامية الإصلاحات الهيكلية خلال سنة 2023′′. وستؤطر هذه الأولويات اشتغال القطاعات الوزارية المعنية، التي طالبها رئيس الحكومة ب"ضرورة التقيد بالأولويات والتوجيهات والآجال" في إعداد ميزانياتها الفرعية التي حدد المنشور آخر أجل لإرسال مقترحاتها إلى مديرية الميزانية بوزارة الاقتصاد والمالية قبل 31 غشت الجاري على أبعد تقدير؛ في أفق "تقديمه إلى البرلمان داخل الآجال الدستورية والقانونية". طموحات بارزة عبد الخالق التهامي، أستاذ التعليم العالي تخصص الاقتصاد، اعتبر منشور رئيس الحكومة "طَموحا ويراعي تنفيذ مضامين الخطاب الملكي في الشق الاقتصادي والاجتماعي"، موضحا أن "إعداد قانون مالية في المستوى لعام 2023 قد تعترضه معادلات وتحديات راهنية أمام الحكومة الحالية؛ نظرا للظرفية الحالية، المتّسمة عالميا بارتفاع أسعار الطاقة والغذاء والجفاف وغيرها من الإكراهات التي قال إنها "قد تحدّ من فرص الوصول إلى قانون مالي جيد". وأضاف التهامي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن "الحكومة مُلزَمة باحترام وتطبيق ما ورد في خطاب ذكرى عيد العرش، لاسيما ملفي الاستثمار العمومي (245 مليار درهم في 2022) واستكمال تنزيل التغطية الصحية والحماية الاجتماعية لباقي الفئات"، مشيرا إلى أن الورش الأخير يظل حاملا لطابع الاستعجال "تحكمُه أجندة زمنية واضحة". وحدد الخبير الاقتصادي ذاته أهم صعوبات تعترض طريق القانون المالي المقبل في ضرورة "إيجاد موارد إيرادات ضريبية جديدة" قصد تمويل الحاجيات المتزايدة للإنفاق في برامج الدعم الاجتماعي وإستراتيجيات الاستثمار العمومي، متوقعا أن "يستمر منحى الارتفاع في الإيرادات الضريبية، على غرار ما يتوفر من معطيات بخصوص عام 2022". ولفت التهامي، ضمن تصريحه، إلى أن "زيادة النفقات الحكومية في مختلف القطاعات سيجعل، تلقائيا، من نسبة العجز الميزانياتي مرتفعة؛ ما يؤثر بشكل مباشر أيضا في حجم المديونية العامة، التي تظل تحديا آخر أمام الجهاز التنفيذي". وجوابا عن سؤال لهسبريس بخصوص إجراءات تعتزم الحكومة اتخاذها ل"دعم تشغيل النساء في مالية 2023′′، سجل أستاذ الاقتصاد أن "الرفع من نسبة النشاط الاقتصادي للمرأة يظل هدفا مسطَّرا على مدى بعيد أو متوسط ضمن ما جاء به النموذج التنموي"، قبل أن يستدرك قائلا: "إلا أن مساهمة القطاع العام في الإدماج الاقتصادي للنساء تظل ضعيفة جدا؛ ما يدفع الحكومة إلى تكثيف الجهود في هذا الصدد مع القطاع الخاص لتعزيز نسبة حضورهن وإسهامهن". كما خلص الخبير الاقتصادي إلى ضرورة وإلحاح تسريع العمل ب"السجل الاجتماعي الموحد"، الذي رغم انطلاقه تجريبيا في بعض الجهات، فإن تعميمه سيضمن "الدعم الأمثل والناجع للفئات المستهدفة منه عبر تحديدها بسياسات عمومية تضمن التقائية البرامج المتميزة بالتشتت حاليا". سياقات استثنائية "نظرا لسياق مختلف نوعا ما عن السياقات العادية، والذي تميز بجفاف حاد وتضخم عالمي للأسعار أثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمغاربة، فإن إعداد قانون مالية لسنة 2023 يجب أن يراعي ويأخذ بالاعتبار هذه المعطيات"؛ هكذا استهل محمد جدري، الباحث في الاقتصاد، حديثه مع هسبريس، تعليقا على مضامين المذكرة التأطيرية لمشروع مالية العام المقبل. وتابع جدري أن منشور رئيس الحكومة قد "تضمن توجيهات دقيقة إلى جميع القطاعات الوزارية تراعي أولويات مهمة"، تتعلق بالاستمرار في تخفيف آثار جائحة كورونا وتداعياتها على الشق الاجتماعي، عبر "توجيه دعم مالي مباشر للأسر ودعم تمدرس أبنائها من خلال تعميم التعويضات العائلية التي تشكل الشق الثاني من ورش الحماية الاجتماعية. وأشاد جدري بتنصيص المنشور التأطيري لقانون المالية على "ضمان تحقيق العدالة المجالية" من حيث عائدات وفرص الاستثمار، فضلا عن تعزيز العرض الصحي ترابيا، لافتا إلى أن العمل على تنزيل الإصلاحات الهيكلية "رهان كبير يتطلب استدامة المالية العمومية وتعزيز حكامتها واستعادة التوازنات المالية، عبر إجراءات التقليص ما أمكن من نفقات التسيير (نفقات الموظفين، نفقات الاستقبال والنقل)". وشدد الخبير الاقتصادي، في معرض تصريحه، على أهمية أن يتم "توجيه الاستثمارات العمومية نحو قطاعات منتجة للقيمة المضافة العالية وخالقة لفرص عمل مستدامة"، خالصا إلى أن كل الأولويات يجب أن تراعي "تحكما في عجز الميزانية في نسبة 5 في المائة، ومديونية خارجية معقولة، فضلا عن تحقيق نسبة نمو مهمة متوقعة في حدود 4,5 في المائة مقابل 1,5 في المائة في 2021". في سياق متصل، سجّل جدري أن الحكومة مطالبة بالانتباه والاهتمام أكثر بوضعية النساء الاقتصادية، داعيا إلى "سن نصوص وإجراءات تسهيل مهمتهن في البحث عن عمل أو تكوينهن ومواكبتهن ضمن مشاريع صغرى"، مع ضرورة "توفير حاضنات للأطفال بالنسبة إلى العاملات الأمهات"؛ ما يرفع مردوديتهن المهنية، قبل أن يتساءل عن "كيفية تنزيل الحكومة للدعم المباشر للأسر في رحلة بحثها عن سكن لائق".