يناديهم البعض ب "لعزاوا"، أو "ليزافريكان"، وفي أفضل الأحوال، يطلق عليهم الطنجاويون لقب "مونامي"، لكثرة ما يستعملون هذه العبارة عند مخاطبتهم للسكان المحليين. ولا تكاد حاضرة من حواضر المغرب تخلو من وجودهم. بعضهم جاء للدراسة والسواد الأعظم منهم قدم بحثا عن فرصة للعبور نحو الضفة الأخرى، غير أن هذه الفئة وجدت نفسها مضطرة للبحث عن سبل العيش في المغرب وربما الاستقرار فيه، في انتظار أن يحين دورها لتأخذ مكانها على متن أحد قوارب الموت أو ربما "النجاة". ولا تقتصر تلك الفئة على الجنس الذكوري فقط، بل تضم أيضا فتيات ونساء قذفت بهن الأقدار نحو مصير مجهول. "" تجدهم يتجمعون في مناطق بعينها، تكون في أغلب الأحيان شعبية، كحي التقدم، ويعقوب المنصور والقامرة في الرباط، أو في الحي الحسني والحي المحمدي وحتى في بلفدير بالدارالبيضاء، أما في طنجة، التي تعتبر نقطتهم الأخيرة للعبور نحو «الحلم الأوربي»، فنجدهم يتكدسون في غرف ضيقة، لا تكفي بالكاد لشخصين فبالأحرى العشرات منهم، أو في محلات معدة أصلا لأنشطة تجارية، تحولت بقدرة قادر لبيوت سكنية، في أحياء موغلة في الفقر ك "حومة الشوك" و"حومة صدام"، وفي أحسن الأحوال يتمكنون من الحصول على غرفة في بنسيونات تصلح للإيواء ولمآرب أخرى. وحسب تقديرات منظمة "أطباء بلا حدود"، فإن العاصمة الإدارية للمملكة تضم ما لا يقل عن ألفي مهاجر من إفريقيا جنوب الصحراء، تمكن قسم مهم منهم من الاندماج فعلا في نمط الحياة بالمغرب، وكما ورد في روبورتاج أوردته مجلة "جون أفريك" في عددها الأخير، فإن بعض أولئك المهاجرين أصبحوا يتعاطون لحرف مختلفة، وأضحوا يشكلون منافسا حقيقيا لليد العاملة المغربية. ومن الأمثلة التي ساقتها المجلة، نموذج لحمام بحي التقدم يشرف عليه "فريق عمل" من مالي: ثلاثة أشخاص في "الفرناتشي" لتسخين ماء الحمام، وشخصان "كسالين" لخدمة الزبناء. والسبب وراء اعتماد صاحب الحمام على العمالة الإفريقية مادي خالص لأن ما يتقاضاه العمال الخمسة يكلف رب العمل مبلغا يقل مرتين عما كان يؤديه للعمال المغاربة. ولعل جولة قصيرة بورشات البناء المنتشرة هنا وهناك بالعاصمتين الاقتصادية والإدارية، كفيلة بأن تظهر لنا وجود عمال أفارقة يحملون أكياس الإسمنت أو يقومون بتبليط الأرضية. كما نصادفهم وهم يقومون بأعمال التشذيب في الحدائق الخاصة، أو الحراسة في بعض مواقف السيارات، كما هو الحال بالنسبة للاعب سينغالي سابق بنهضة سطات، والذي فضل حراسة موقف للسيارات على العودة إلى بلده. ومن جهة أخرى، فإن هذا الاندماج ما كان ليتم بسلاسة، لأن الاستغلال يظل هو سيد الموقف في جل الحالات، سيما وأن الأمر يتعلق بتشغيل أشخاص مقيمين بشكل غير قانوني ، حينها يُظهر رب العمل مهارته في تقزيم الأجرة إلى أبعد حد، واستغلال ظروفهم الصعبة من أجل الحصول على ساعات عمل إضافية مقابل أجور هزيلة. وتنضاف إلى كل ذلك الاهانات والشتائم التي تخترق آذانهم في الشارع أو من طرف "زملائهم" في العمل، والذي لا يكلفون أنفسهم عناء التعرف على أسمائهم، بل يكتفون بالتسمية القدحية "عزي". وذكرت "جون أفريك" على لسان أحد المهاجرين من أصول مالية قوله: "نحن هنا في ما يشبه السجن، ولا نستطيع التقدم ولا حتى التراجع". ويضيف مهاجر آخر من كوت ديفوار قائلا: «"قد ضحت أسرتي بكل ما لديها لكي أغادر موطني، وإذا عدت دون أحقق ما كان يتطلعون إليه، فسأشعر بالمهانة". أما العنصر النسوي من المهاجرين الأفارقة فقد اقتحم بدوره سوق العمل المغربية، فالمحظوظات منهن استقطبتهن الخطوط الملكية المغربية للعمل كمضيفات، والبعض الآخر وجدن لأنفسهن مكانا في مراكز النداء، أما البقية فقد دشن نوعا آخر من العمل داخل البيوت، كمربيات أو عاملات تنظيف، أو قد تجدهن يتجولن في الشارع ليعرضن أنفسهن لكل باحث عن اللذة بطعم إفريقي. وعندما ينفد ما تبقى لأولئك الأفارقة، العابرين أو المستوطنين، من الزاد، تجدهم يستعطفون الناس أمام المساجد أو في الأسواق طلبا للصدقة، أو قد يتوجهون نحو الغابات ليجددوا الصلة مع أصول الإنسان البدائية، كما هو عليه الحال في الغابات المحاذية لطنجة أو في غابة "غورغو" بالقرب من مدينة مليلية المحتلة، حيث شكل أولئك الأشخاص مجتمعا خاصا بهم، يحتكمون فيه إلى عاداتهم وأعرافهم، ويرفضون كل دخيل أراد أن يحشر نفسه في شؤونهم.