بات المستوى التقني المتذبذب للأندية الوطنية والذي يتغير من مباراة لأخرى في غياب تام لفلسفة تقنية واضحة وثابتة، مثيراً للقلق، خاصةً وأن الأمر يهدد بالأساس هوية الكرة المغربية التي تعرف إليها العالم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، سواء من خلال مشاركات المنتخب المغربي في منافسات كأس العالم وبروز الأندية الوطنية في المنافسات القارية. تواضع "المتصدر"، الوداد البيضاوي فنياً مقابل مباراته البطولية أمام الزمالك في منافسات "العصبة"، وتخبط الفتح الرياضي، حامل لقب الدوري والذي استطاع الوصول إلى نصف نهائي كأس "الكاف"، مثالان عن معاناة الكرة الوطنية من مشاكل كبيرة، تجرها إلى الوراء وتعيق تقدمها، ما يترجم تواضع الأندية قاريا من حيث التتويج بالألقاب، كما هو الحال بالنسبة إلى المنتخب الوطني الذي يظل منتخباً عادياً رغم الجهود، مقارنةً بمنتخبات الجيران، كل ذلك، بسبب خمس نقاط حاولت "هسبورت" جردها لتشخيص الداء! غيَاب الاستقرار التّقني تعاني الأغلبية الساحقة من الأندية الوطنية من غياب الاستقرار التقني، إذ بات الانفصال عن المدربين قاعدة تتجدد أكثر من مرة في الموسم الواحد، حيث يكون الطاقم التقني هو الشماعة التي يعلق عليها فشل المكاتب المسيرة وغياب الموارد، في وقت كانت فيه إلى حدود فترة التسعينيات الانفصال عن المدرب هو الاستثناء واستمراريته مع الفريق قاعدةً تضمن بناء نادٍ قوي على كل الأصعدة. غياب استقرار التّشكيلة عندما يتم تغيير المدرب، يأتي الإطار الجديد ليغير تشكيلة الفريق جذرياً، في غياب تام لمبدأ استمرارية العمل، الأمر الذي يؤثر لا محالة على استقرار مستوى الفريق وطريقة لعبه، فتكون بذلك المجموعة مضطرةً إلى أخذ وقت قد يكون على حساب مصلحة النادي، من أجل البحث عن مفاتيح التجانس والتفاهم مع فلسفة المدرب الجديد وتغييراته في الفريق. قَطع الطريق على الشّباب من المعروف أن الاعتماد على لاعبين شباب، يمثلون منتوج الفريق نفسه، يعود بالنفع عاجلاً أم آجلاً على المجموعة، لكن، وفي كثير من الأندية حالياً، تجد المدرب لا حول له ولا قوة أمام ضغط الأنصار والمسؤولين عن الفريق الذين يطالبونه بالنتائج الإيجابية، فيقوم بإقصاء الشباب من مفكرته ليعتمد على لاعبين كبار في السن، جاهزين، تفادياً للمغامرة التي قد تعود عليه بانفصال أكثر "جاهزية". اغتيَال ثقافة التّنقيب بات المسؤولون عن الأندية الوطنية على قطيعة مع ثقافة التنقيب، مقابل الاعتماد الكلي على "السماسرة" ووكلاء الأعمال الذين يركضون وراء الأموال دون مراعاة لمعايير الجودة في اللاعب المقدم للفريق، علماً أن المنقبين، ذوو العيون التقنية الثاقبة التي ترصد المواهب من أضيق زقاق في أحياء المدن أو الشواطئ، كانوا إلى وقت قريب هم المرجع في مسألة الانتدابات، الأمر الذي يضمن للفريق عناصر مهارية ترسخ هوية الكرة المغربية، وبأقل تكلفة ممكنة. مرَاكز التّكوين كلف تغييب مراكز التكوين عن المنظومة الكروية في بلادنا كثيراً، وما زال، إذ تعد هذه المراكز ومهما كانت متواضعة ولا تتوفر سوى على أدنى الشروط للممارسة وصقل المواهب، سقّاءً للأندية إلى وقت قريب، قبل أن يصيب مسؤولو الكرة أشد أنواع "العته" بتجاهل هذا المصنع الكريم للمواهب، بين من أقفله وجعله وكراً للمتشردين ومن فضل هدمه، في انتظار استفاقة الجامعة الملكية المغربية من سباتها، لتفرض دفتر التحملات على الأندية وتجعل من توفرها على مركز للتكوين شرطاً للممارسة في البطولة الوطنية الاحترافية.