مع اقتراب فعاليات بطولة كأس الأمم الأوروبية (يورو 2016) لكرة القدم، تسعى فرنسا إلى رأب الصدع في المجتمع الفرنسي الذي لا يزال يئن من الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها بلاده في نوفمبر الماضي والعواقب الأمنية التي خلفتها هذه الهجمات. ولم تكن علاقة فرنسا بكرة القدم على نحو الكمال دائما، ولكن يورو 2016 أصبحت الآن بمثابة الطريق والوسيلة أمام هذا البلد لاستعادة الاتزان بعد الهجمات الإرهابية العديدة التي تعرضت لها في السنوات الأخيرة. وقالت المؤرخة ليدنساي كراسنوف، مؤلفة كتاب "صناعة الزرق": الرياضة في فرنسا من 1958 إلى 2010 "، "ربما كانت هناك فترة، كان أسهل على الفرنسيين معانقة الفريق. ولكن الفريق ظل يمثل هذه الأمة دائما". وأوضحت كراسنوف أن يورو 2016 ستكون رمزا للتماسك والصمود. ويبدو أن اللاعبين أيضا يتفهمون دورهم الجديد. ففي أواخر مارس الماضي، وقبل عودة المنتخب الفرنسي إلى استاده خارج العاصمة باريس لمواجهة نظيره الروسي وديا، قال هوغو لوريس حارس المرمى وقائد الفريق إن المباراة ستكون أكثر من مجرد حدث رياضي. وأوضح لوريس: "أعتقد أن العودة إلى استاد دو فرانس أمر مهم، للاعبين وأيضا للمشجعين، حتى نستعيد شعاراتنا وثقتنا". وكانت هذه المباراة هي الأولى للمنتخب الفرنسي منذ 13 نوفمبر 2015 التاريخ الذي شهد هجمات إرهابية في باريس كانت إحداها من خلال تفجير بجوار الاستاد عندا كان باتريس إيفرا نجم المنتخب الفرنسي يهم بتمرير الكرة في مباراة ودية بين المنتخبين الفرنسي والألماني. ولم يعلم اللاعبون حقيقة الأمر في ذلك التوقيت، ولكن الصوت المدوي الذي أثار قلق كل من المشجعين واللاعبين في الاستاد كان لأحد ثلاثة انفجارات عبر ثلاثة انتحاريين هزت العاصمة الفرنسية. ولم ينجح أي من الانتحاريين الثلاثة في محاولته لدخول الاستاد خلال هذه المباراة التي شهدها الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند. وكان الانتحاريون الثلاثة جزءا من مجموعة إرهابية نفذت هجمات في العاصمة الفرنسية ذلك اليوم وخلفت 130 قتيلا. ومنذ ذلك الحين، ومع وقوع هجمات إرهابية دامية أخرى في بروكسل، أثيرت العديد من الاستفسارات عن مدى نجاح فرنسا في استضافة فعاليات يورو 2016 التي تقام فعالياتها في الفترة من العاشر من يونيو إلى العاشر من تموز/يوليو المقبلين. وينتظر أن تجذب فعاليات البطولة نحو مليون زائر إلى فرنسا. ولهذا، جرى تكثيف العملية الأمنية ليورو 2016. ولكن كثيرين يرون أيضا في البطولة نفسها وسيلة للتقدم إلى الأمام. وقال أولاند: "يورو 2016 ستكون حدثا رائعا لأنها نشاط رياضي، ولكننا أردنا أيضا خلق نشاط ثقافي واجتماعي واقتصادي، وبشكل معين أيضا، نشاط سياسي بأفضل ما تعنيه الكلمة". وتمثل الهجمات الإرهابية التي شهدتها باريس، بشكل ما، قمة صراع مضطرب وتوترات خيمت بظلالها على المجتمع الفرنسي في العقود الأخيرة وجعلت الشباب عرضة لسيطرة التيار المتشدد. وهذه التوترات كانت تحوم أيضا حول ملاعب كرة القدم. وبعض هذه الأحداث تضخمت. عندما أطلقت الجماهير صافرات الاستهجان ضد السلام الوطني الفرنسي قبل مباراة الجزائر الودية في 2001، وأثارت هذه الواقعة موجة من الإدانة والشجب السياسي. وصرح رئيس الوزراء الفرنسي السابق آلان جوب، وقتها ، قائلا: "الدولة تتعرض للإهانة عندما يستهجن الشباب الفرنسي السلام الوطني لبلاده دون أن يعي حتى ما يفعل". وحدث نفس الاستهجان للسلام الوطني بشكل مشابه في مباريات أخرى بفرنسا للمدى الذي تعكس معه الثقافة الكروية خلافات اجتماعية أكبر تمتد لما هو خارج مدرجات الاستاد. ورغم هذا، ترى كراسنوف أن المنتخب الفرنسي (الديوك الزرقاء) لديه القدرة على توحيد الأمة الفرنسية التي ما زالت تضمد جراحها وأن الفريق يستطيع تمهيد طريق هذه الأمة إلى الأمام. وقالت كراسنوف ، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): "لا أعتقد أن الفرنسيين كانوا فقدوا حبهم فى يوم ما لمنتخبهم الوطني... لكن المنتخب الوطني أصبح له دلالة أكبر في أعقاب الهجمات الإرهابية على فرنسا".