نادراً ما تُتاح الفرصة للشارع الرياضي لمشاهدة ابتسامته، أو تعبيرا يعكس سعادته.. رغم أنه متربع على عرش أكثر المدربين تتويجا على الصعيد المحلي. صارم حد "الاستبداد".. يَجِد ضالّته في الانكماش، كما تعبس تقاسيمه فرحاً.. بات مثل ذلك التقني الثائر الذي بدأت شعلته تنطفئ شيئاً فشيئاً، واضعاً احترام "الكْوايرِيّة" لشخصه، الفاهمين منهم والممارسين، في ميزان الاستهتار، عبر تقليله من قيمة "أسود" لا زال صدى زئيرها الأخير يُحرّك شيئاً في المغاربة.. هو "الجنرال" محمد فاخر. تَنفّس هواء المستديرة داخل أسوار الرجاء البيضاوي، حيث تألق معه لاعبا بعد أن اختار "الدفاع" مركزا لبداية مشواره الكروي، ليجاور نجوما كبار أمثال "بيتشو"، "بينيني" وآخرون، إلى أن حمل شارة العمادة، ممررا روح القيادة في شخصيته إلى الفريق. عش "النسور" ومثلما كان حضنا لميلاد ظهير أيسر بمواصفات خاصة، كان مكونا لواحد من أنجح المدربين على الصعيد الوطني. تخلى عن نمط حياته الصاخب المرتبط بالنوادي الليلية وما يرافقها من ممارسات، ليتفرغ لتكوين جيل جديد من "هياثم" الرجاء، حيث قرر أن يبيت قدوة لهم، أخلاقا قبل تلقينهم أبجديات الكرة وبعضا مما اكتسبه خبرة وتجربة. انضباطه المفاجئ ساعده في تسلق الفئات والمراتب إلى أن بلغ الفريق الأول، إذ نال ثقة اللاعبين قبل المسؤولين، فتوج بطلا لكأس العرش مع الكبار، فاتحا بذلك خزانته للألقاب، مَارّا عبر النهضة السطاتية، اتحاد سيدي قاسم، حسنية أكادير "الماص"، "الماط"، النجم الساحلي التونسي، العودة للرجاء، المنتخب الوطني، والجيش الملكي، الذي يظل أبرز محطة في مشوار فاخر، كيف لا وهناك..، بمعقل "العساكر"، التقط صفة "الجنرال"، وبات الأكثر تتويجا بخمسة كؤوس للعرش وخمس بطولات وكأس قارية (الكاف). صرامته المفرطة وخططه التي لا تنجح في غياب الانضباط التكتيكي، جعلاه عاشقا متيما باللاعبين "الدّْمَّارَة"، كما جاء على لسانه يوما.. "بَاغي اللعابا يْكُونُو بْغال، إضْربُو تَامَارا في التّيران ويْجِيبُو لِيَا طَرْف ديال الخُبز". يفقد اللاعب المتميز بريقه في عينيه عندما يتنازل عن مهامه الدفاعية، حتى لو كان رأس حربة. لا يقبل الجدال في اختياراته، يوبخ بشكل قاس، و"يْخسّر الهَضْرة" مع اللاعبين أحيانا، حتى خُيّل للمتتبعين أنه وإلى جانب رتبة الجنرال.. قد نَصّب نفسه "وزيرا للدفاع". برهن في الكثير من الأحيان أنه ليس جنرالا بالصدفة، بجديته واحترافيته، وكما بالوسط العسكري فإنه داخل الميدان يُخطّط.. يَدرُس، ويَرصُد مكامن الخلل وأدق تفاصيل خصومه. عُرف عنه تحضيره للمباريات مبكرا، يصنع له عالما خاصا، يجرب، يفكر في أسلحة للهجوم ويهيئ خططا بديلة، وطوال تلك الفترة يكون الوصول أو التواصل معه، شبيها بدخول حقل ألغام.. وحتى تتحقق مساعيه لا يقبل الجنرال في ثكنته سوى لاعبين بأوصاف،.."عْرّاق التوني"، "حَربِي" و"حْكّاك الجّلدة". وعلى عكس حياته الشخصية التي يتمتع فيها امحمد بالهدوء والرزانة، تعاني معه دكة البدلاء ما يعانيه اللاعبون من توتر بالمستطيل الأخضر، حيث يرتفع منسوب الضغط، الذي يطلب من اللاعبين ترجمته نهجا على لاعبي الخصوم، خاصة "الضعيفة" منها، والتي غالبا ما يعاني معها فاخر الأمرين.. تستمر حالة الاستنفار 90 دقيقة، وقد تمتد حتى لمستودعات الملابس عند التعثر. ولأنه دائما ما يرفع من سقف الطموحات ويضع نصب عينيه التتويج بجميع الألقاب الممكن اللعب لأجلها، فإن "جنرال" المدربين غالبا ما تكون له متطلبات خاصة، إذ لا يرضى بغير الأوضاع المثالية من فنادق فخمة ومصنفة ومراكز حديثة للتحضير للمباريات والمعسكرات، التي يفضلها أن تبرمج في الغالب خارج أرض الوطن. تذوقه لطعم الألقاب حَوّله إلى "دبابة" تحصد الأخضر واليابس.. يقوم بتشطيب الأندية الوطنية من نجومها ويعلقها في خزانة تركيباته البشرية، حتى وإن لم يكن في حاجة إليها، لا لشيء سوى لإضعاف منافسيه. وكم من نجم سطع في ناديه السابق، وجد له مكانا باردا في "البون توش" أو المدرجات مع فاخر.. أما في حال لم تستجب المكاتب المسيرة لصفقاته التي غالبا ما تفوق العشرة، فإن الانسحاب يكون الخيار الأسهل بالنسبة إليه، دونما اكتراث. وكم من ناد وضع التتويج هدفا، بخرت أحلامه وانهارت مساعيه، لتغدو القاعدة "كل فريق يغادره فاخر.. تموت طموحاته وتندثر". "عدو الشباب" ومُستهتِر على غير العادة، صفات نالت من أسهم فاخر في بورصة المدربين محليا وحتى قاريا، عندما اختار كعادته الاعتماد على فريق "ناضج" عمريا، جرد نفسه من الإبداع، واستسلم لتعليمات فاخر العقيمة، التي كلفت "الأسود" والمغاربة خيبة أخرى، في تجربة قارية قديمة-جديدة، صنفها المتتبعون في خانة الاستهتار بصورة المنتخب الوطني وإن كان رديفا، ذلك أن خطابات الجنرال قبل السفر لرواندا شوقت الشارع المغربي لنصر نسج في خياله فقط، قبل أن تلبس خرجاته الإعلامية تبريرات بنفحات من معجم القذافي.. جَرّدته من رتبة "الجنرال".