عيْب يا مخزن. عيب أن تتخلى عن كل سمعتك، وكل تاريخك، وكل هيبتك، وتلاحق الأولاد الذين يشحطون رمضان في المقاهي. هذا صراحة لا يليق بك. هذا يسيء إليك، وكأن لا شغل لك يا مخزن. هذا يجعلك تتراجع إلى الخلف وتصغر في عيون كثيرين كانوا يحترمونك، وكانوا يعولون عليك. هذا مؤسف يا مخزن. وأنت في هذه السن، وبعد كل التجارب التي مررت بها، وبعد كل النضج الذي اكتسبته، وبعد أن انتصرت على الجميع، تقتحم المقاهي، وتقبض على أولاد يشربون القهوة. هذا لا يمكن أن يكون سلوكا للمخزن. هذا أقل من مستواك. هذا ليس ذكاء من طرفك. هذا تنازل منك ويمكن أن تقوم به أي سلطة أخرى في أي دولة أخرى غير المغرب. هذا يسيء إليك ويصورك كسلطة ظالمة، وثيوقراطية. هذا يجعلك متطرفا ومعتديا على الحريات. فكم تحدثتَ يا مخزن عن المجتمع الديمقراطي الحداثي. وأنا شخصيا أصدقك، وأقول إن المخزن لا يمزح، ولا يماطل، وسيتوقف عن سلوكاته القديمة. أقول دائما إن المخزن جاد، وهو في صف الحرية، وإنه مقتنع بذلك كل الاقتناع. و لن يتراجع. و سيكف عن التضييق على المغاربة، وعلى مراقبتهم. وعلى معاقبتهم على شرب قنينة ماء. ولن يساير أسفل المجتمع. ولن يرضي العامة من أجل مكاسب عابرة. و سيغض الطرف. وسيمنح الفرصة للمجتمع كي يذهب بالتدريج إلى الحرية، وكي يتغير. وإنه سيلعب هذا الدور. وسيحسب لصالحه. ولن يتدخل. ولن يعرقل التقدم إلى الأمام وإلى الدولة الحديثة. ولن يخلط بين القانون والدين. لكنك خيبت ظن كثيرين ممن كانوا يقدرونك يا مخزن. خاصة أولئك الذين يعتبرونك أكثرنا نضجا وحكمة. ولن أبرئك يا مخزن كما يفعل العديد من الناس، ومن المتابعين. لن أقول إنك لا تتحمل أي مسؤولية في ما حصل. وأنك تطبق القانون. وأن السلطة غير مسؤولة، والنيابة العامة غير مسؤولة. لن أقول هذا الكلام. ولست ساذجا كي أقول إن المخزن بعيد عن السياسة. وحريص على القانون. ولن أصدق ذلك أبدا. ولن أقول إن الأحزاب والنواب والحكومة هم من عليهم أن يبادروا لإلغاء هذا القانون الذي يعاقب المفطر في رمضان. ولست مغفلا إلى هذه الدرجة كي يصدر عني مثل هذا الكلام. لأني أعلم أن الأحزاب في المغرب لن تقوم بذلك. ولا المجتمع قادر. ولا النخبة قادرة. ولأني متأكد أن لا أحد له القدرة على الاقتراب من هذا الموضوع. ولأني على يقين أنك قضيت على الأحزاب يا مخزن بالضربة القاضية. والساقط بالضربة القاضية لن يقوم أبدا، ولن يقترح، ولن يبادر، ولن يغامر. وقد صارت الأحزاب ضعيفة، وهي بدورها تحت رحمتك، وتعول عليك في كل شيء. ونحن جميعا في الحقيقة نعول عليك. يا مخزننا، ويا حامينا، ويا أعز وأغلى ما نملك. ولا أحد لنا في المغرب. في الوقت الحالي. سواك يا مخزن. وأنا شخصيا أعول عليك. وليس لي إلا أنت. يا مخزني. ويا سلطتي. ويا دولتي الحداثية الديمقراطية. ولا أنتظر أي شيء من الأحزاب ولا من النواب. ولا أمل لي في من يضغط عليك بعد أن حطمتَ الجميع. ولا أرى من هو قادر على ذلك. ولذلك أقترح عليك أن تغير بنفسك تلك القوانين التي لا تليق بالمغرب الحالي. أقترح عليك أن تبادر بنفسك.وتخرج في مسيرة مليونية. وسأكون في صفك يا مخزن، و سأفوض لك كل شيء. فكم صنعتَ يا مخزن من حزب ديمقراطيي حداثي. وكم صنعتَ من حزب ليبرالي. بينما ليست لهم إلا الأسماء، وكلهم أعداء للحداثة ولليبرالية وللحرية. ولا دور لهم، ولا يقترحون، ولا يدافعون عن أي حرية. وعن أي حق. ولا فائدة ترجى منهم. ولن نقعد في انتظار أن يأتي يوم يبادرون فيه، لأن هذا اليوم لن يأتي أبدا. وإذا كنت صادقا يا مخزن وتريد الحرية. وإذا كنت لا تلعب على الحبال، وتارة تكون رجعيا ومحافظا، وطورا تقدميا وحداثيا. فإشارة واحدة منك يا مخزن تكفي لتتعبأ كل الأحزاب. وهي كلها معك، وتأتمر بأوامرك. ولا أسهل من جعلها حداثية وتقدمية. بينما الأمر يحتاج إلى كلمة منك، والحال أنك يا مخزن مرتاح في هذا الوضع. وفي البين بين. وفي المجتمع الذي لا يفتأ يتغير دون أن يتغير. بينما يبدو أن هذا الوضع في صالحك وتريده أن يستمر. وأن تقتحم بين الفينة والأخرى مقهى من المقاهي في رمضان. ففي هذا متعتك يا مخزن كما يروج حولك بعض من الذين يحقدون عليك. وفي هذا سر وجودك. وساذج من يظن أنك مع طرف ضد آخر. أنت مع نفسك، يقولون. لكني مؤمن إيمانا أعمى بك، وليس لي من خيار آخر. ومؤمن أنك قادر أن تفاجىء منتقديك. قادر على الأقل أن تترك المجتمع يتغير قادر على مساعدته. وعلى مواكبة تحولاته دون تدخل منك، ودون اقتحام للمقاهي. ودون شق لصدور وقلوب وعقول المغاربة. فالمغرب كما ترى يا مخزن يتغير بسرعة، ويتطور، ويتقدم. والشباب اليوم جد منفتح. شباب اليوم لن يقبل بكل هذه التشهير به. و بإهانته. وبالقبض عليه لأنه يشرب القهوة. شباب اليوم لا يعرف المخزن كما عرفناه نحن. شباب اليوم لا يمكن أن تتعامل معه بنفس الطرق القديمة. وإذا لم يكن يعنيك أمرنا، فإنه من غير اللائق أن يراك أصدقاؤنا تقتحم مقهى وتقبض على الأولاد، بجريمة الأكل والشرب. وسوف يندهشون. وسوف يشكون في كل الشعارات التي ترفعها الدولة المغربية. عيب. عيب يا مخزن أن تنزل إلى هذا المستوى. كأنك لست المخزن الذي نعرفه. كأنك لا تواكب المستجدات. كأنك ضد الدولة. كأنك تتعلم من جديد. و بعد أن عشت قرونا، وهزمت الجميع، وقضيت على الأحزاب، وعلى كل من يحاول أن يعارضك. بعد كل هذا العمر تستمتع يا مخزن للوشاة، وتسيء إلى صورتك، وإلى بلدك، وتقتحم المقاهي. كما لو أن لا هيبة لك يا مخزن. كما لو أنك تنوي خلق شرطة شمامة للروائح دورها شم رائحة التبغ في رمضان ورائحة المرق عيب. عيب. أن يكون هذا هو دورك يا مخزن. فقد خيبت ظن معظم المعجبين بك عيب ونحن في هذا العصر أن تتبع الروائح. عيب ومضحك ومبك في نفس الوقت.