شهادة على العصر: الفساد ملازم للديمقراطية، ولكن ليس لك مناص من الديمقراطية! أرفض أن أنهش في لحم رجال التعليم. رجال التعليم في كل المستويات. درّست في الابتدائي، ودرّست في البعثة الفرنسية، ودرست بالجامعة، دون احتساب مروري في ادارات الدولة السيادية. واعتقد ان هذا يعطيني الحق في ابداء الرأي في سيرورة وصيرورة الجامعة.. وللتاريخ لاحظت، وبكثير من النسبية، أن الفساد وصل للجامعة مع دخول الديمقراطية إليها فيما يتعلق بتعيين المسؤولين الساهرين على تسييرها وتدبيرها.. في وقت من الاوقات، كان العميد، وبعد ذلك رئيس الجامعة، الذي رفض في وقت من الاوقات الراحل ادريس البصري تسميته ب "الرئيس" حتى لا يقع هناك لبس بين "صفة الرئيس" وصفة أخرى ألفها المغاربة لقرون من الزمن! وعليه، أبى الراحل البصري رحمه الله إلا أن يسمي العميد الحالي "قيدوماً"، ويسمي رئيس الجامعة الحالي "عميداً"، حتى لا تختلط الامور على المغربي الذي هو ملكيُ حتى النخاع! وكان العميد والقيدوم يعينهما الملك مباشرة لضمان الحياد داخل الجامعة...اضافة إلى أن تمثيل العميد والقيدوم للملك داخل الجامعة كان ضامنا للحيلولة دون الفساد بكل أنواعه...وكان بالطبع عامل التكوين العالي للأستاذ يحول دون تسرب الفساد إلى الجامعة...او على الاقل كان ذلك رادعا حقيقيا للابقاء على نوع من الهالة وحتى القداسة على مهنة التدريس الجامعي.. ومرت الايام وجاءت الديمقراطية، وقررت الدولة ونخبتها المتحررة والديمقراطية جدا ان تقوم بدمقرطة الجامعة...فأصبح منصب العميد والقيدوم الذي اصبح "رئيسا" منصب مبتذل يسلّم عن طريق "الكوطا" لهذا الحزب او ذاك...وكان من الطبيعي ان تدخل الزبونية السياسية للجامعة ليس فقط في عملية "انتقاء" المسيرين الاداريين والبيداغوجيين، بل في انتقاء الاساتذة بعينهم...فالحزب الحاكم داخل الجامعة هو من اصبح ينتقي الاساتذة التابعين له او من لهم ولاء سياسي له... أُنبّه على هذا المستوى ان ما أقوله هنا ليس مطلقا...أبدا...هناك أساتذة أهل للتدريس الجامعي وأعرف منهم العشرات...ولكن القاعدة العامة التي ابتدأت في بداية الألفية هي المهيمنة...يعني أن الديمقراطية المستحدثة في الجامعة أدت لتسرب الفساد للفضاء الاكثر حرمة في المجتمع... وهذا عينه ما يذكرني بموقف أفلاطون وحتى أرسطو من الديمقراطية التي تعني إليهم قبل كل شيء "شيوع الفساد والفوضى" ويفضلون عليها "نظام الملكية" المتوازن.