إنه الأغلى. إنه الأهم بالنسبة إلى شنقريحة. وإلى الرئيس تبون. ومهما بدا لكم بن بطوش مريضا. ومهما بدا لكم عديم القيمة. ويمكن تبديله بأي بطوش صغير. فالجنرالات في الجزائر مستعدون لدفع كل شيء من أجل استرجاعه. ولو احتاج كل الغاز الجزائري. ولو احتاج كل الجزائر لما ترددوا لحظة في منحها له. ولو احتاج إلى كل ميزانية الدولة لخصصوها له. والجزائريون لا شيء مقارنة به. ولذلك فالجنرالات على استعداد للتضخية بكل الجزائريين فداء لبن بطوش. وقد تتساءلون لماذا. لماذا يبذل الجنرالات كل هذا الجهد والمال من أجل هذا الرجل المريض. ولماذا تخبئه إسبانيا. ولماذا ينفق عليه النظام الجزائري بلا حساب. ولماذا يرسل إليه الطائرات الخاصة. ولماذا هذا الإصرار على المحافظة عليه. والجواب هو أن الجنرالات يعرفون قيمته. ويعرفون قيمة المرضى. وأنه بالحفاظ عليه سيكون بمقدورهم تبطيش الوضع في الجزائر إلى ما لا نهاية. حيث كل شيء يبدو أنه يلفظ أنفاسه الأخيرة. و باسترجاعه ستكون كل مطالبة بالتغيير مبطشة من طرفهم. وكل إشارة إلى فساد العسكر. سيتم تبطيش أصحابها في الحين. وكل احتجاج سيكون مبطشا. وحتى لو لم يكن بن بطوش متوفرا فإنهم كانوا سيصنعونه. وكانوا سيزرعون فيه المرض والشيخوخة. لأن الجزائر منذ عقود وهي تعتمد على البطشنة. ولا وجود لهذا النظام ولا مبرر لوجوده إلا بالحفاظ على البطوش. وعلى نزعة العداء للمغرب. وبفضل سياسة التبطيش يؤجل النظام الجزائري كل شيء. ويجمد الزمن. ويجمد الخطاب. ويجمد العقيدة السياسية. ويلطشها. وقد قاموا بالمستحيل ليعالجوه. ولما ضبطه المغرب متسللا. وبهوية مزورة. وبعد أن افتضح أمر إسبانيا والجزائر. قاموا باسترجاعه. وقد جاء كل النظام الجزائري إلى غرفته في المستشفى ليطمئن عليه. جاء كل العسكر. جاءت الدولة عن بكرة أبيها. جاءت لتكريس البطشنة. جاءت لتؤكد على أهميته. وعلى أنه الأغلى. وعلى أنه كنز بالنسبة إليها. معتبرا عودته بهذا الشكل انتصارا. ولتقول لكل من يحلم بجزائر مختلفة. ومنفتحة على المستقبل. وعلى شبابها. أن يتوقفوا عن الحلم. فلا مجال إلا لبطشنة الوضع القائم. ولا مجال إلا للمحتضرين. وللشيوخ. والمعالجين في المستشفيات. لا مجال إلا لنظام لا يعول إلا على المبطشين. لأنهم يدركون أن لا شيء يملكونه إلا تبطيش الشعب الحزائري. وأن بن بطوش هو الورقة الوحيدة التي يتوفرون عليها. وغير مستعدين للتفريط فيها. ولا لمنحها للقضاء الإسباني كي يحاكمها. وقد عادوا به إلى الشعب الحزائري وقد احتفل الجنرالات بهذا الحدث وصوروه في مشهد يدعو إلى الضحك والبكاء في الآن نفسه. ثم خاطبوا شعبهم قائلين: لقد عدنا به لنبطشكم. وأخير وفرنا لكم بطوشا أيها الشعب الجزائري. هذا الرجل الذي يبدو لك واهن القوى وعليلا ولا يقوى على الحركة هذا الرجل لا تقدر قيمته هذا الرجل. ورغم أنه يبدو عديم القيمة. فهو غال جدا بالنسبة إلينا فكلوا بطوش. واشربوه. وكلما احتجتم إلى شيء فليس لكم إلا بطوش. وبعد أن يتماثل للشفاء فهو سيوفر لكم فرص العمل. وإذا فكرتم في التظاهر فجوابنا بطوش. وإذا فقدتم الأمل فسنرد عليكم ببطوش. وقد نفرط في كل شيء وقد نفرط في الشعب الجزائري وفي مستقبله بينما لا نستطيع أبدا التفريط في بن بطوش. لأننا نظام مبطش منذ الاستقلال ولأن وجودنا مقترن به ولأن عقيدتنا السياسية قائمة على التبطيش وزواله والتفريط فيه يعني زوال نظامنا وظهور نظام جديد في الجزائر. ولذلك كنا جميعا في غرفته في المستشفى ولذلك زرناه ولذلك حضر كل الجنرالات. وكل النظام الجزائري. لأنه لا خطر يتهددنا أكثر من تقدمنا في السن وبعد أن ماتت كل الأنظمة التي تشبهنا في العالم فإننا مازلنا نقاوم الشيخوخة ومازلنا نحافظ على نموذجنا البطوشي ومهما تغير العالم ومهما كثرت المطالب في الداخل فلا حل ولا سياسة إلا سياسة التبطيش.