كنتُ أظنكِ غربا يا إسبانيا. كنتُ أظنكِ ديمقراطية. وقطعت مع ماضيك. كنتُ أظنك من العالم الحر. كنت أظن أن لا شيء في إسبانيا يحول دون تطبيق القانون. والدفاع عن الحق. وعن الضحايا المحتملين. كنت أظن أنك تفصلين بين السلط. وأن دولتك يا إسبانيا لا تتدخل في القضاء. كنت أظن قضاءك مستقلا. كنتُ أظنك لا تشبهيننا في شيء. قبل أن يكشفك بن بطوش. ويكشف أن لا فرق بين العوالم الأولى. والثانية. والثالثة. إلا في الدرجة. ولهذه فقط يستحق بن بطوش أن يحاكم. وليس لأنه متهم بالاغتصاب. وبالتعذيب. بل لأنه عرى إسبانيا. وفضح قضاءها. وحكومتها. وبعد أن كنتِ يا إسبانيا دولة محترمة. وبعد أن كنت متقدمة. وترفعين كل شعارات حقوق الإنسان. وبعد أن كان إعلامك يقدم لنا الدروس. خلع بن بطوش كل أقنعتك. وأزال كل مساحيقك. وقدمك كما أنت يا إسبانيا. قدمك على حقيقتك. قدمك مكشوفة لنا. ولهذه فحسب تستحق محاكمة بن بطوش أكثر من جلسة. وليس لأنه ورطك يا إسبانيا في إدخالكِ له سرا. وليس لأنه دخل إليك بهوية مزورة. وليس لأنه دخل بشكل غير قانوني وبعلمك يا إسبانيا. وليس لأنه جعل منك دولة تسمح بتزوير الهويات وجوازات السفر. كما لو أنك مافيا. كما لو أن القانون لا يهمك. كما لو أنك من عالم آخر غير ذلك الذي تدعين الانتماء إليه. كما لو أنك إسبانيا قديمة. كما لو أن فرانكو مازال موجودا. وليس لأنه. وبسبب بن بطوش. صار الكل يعلم. أن إسبانيا. الحكومة. والدولة. تخفي شخصا ملاحقا. وتتستر على مطلوب للعدالة. ليس لهذا. وليس من أجل المغرب. وليس إرضاء لنا. بل لأنه فضحك يا إسبانيا. ومن أجلك. ودفاعا عن سمعتك يا إسبانيا. ودفاعا عن تصنيفك بين الدول الديمقراطية والمتقدمة والمنتمية إلى الاتحاد الأوربي. ودفاعا عن استقلال قضائك. فإنه من المخجل لك أن يغادر بن بطوش بهذه الطريقة. كما لو أنك جمهورية موز يا إسبانيا. تحط فيها الطائرات التي تهرب المجرمين والمتابعين. كما لو أنك ملاذ مفضل للهاربين من العدالة. ولو صوريا. ولو كما تفعل الدول التي تجرى فيها المحاكمات الصورية. والتي معروف عن قضائها أنه غير مستقل. وأن الدولة تتحكم فيه. ولو على سبيل التمثيل. فقد كان عليك يا إسبانيا أن تتمهلي قليلا. وأن تمططي الوقت. وأن تحتفظي ببن بطوش في المستشفى. وأن تعتني به إلى حين. وأن تلعبي الدور. بدل كل هذه السرعة. وبدل هذا التوجه المكشوف للتخلص من بطوش. ولمنحه للنظام الجزائري. وبعد ذلك وبعد فترة. وحتى نظن أن العدالة في إسبانيا مستقلة. وغير متحكم فيها. يمكنك حينها السماح له بالمغادرة. لكن ليس بهذه الطريقة. ليس هكذا يا إسبانيا. وكأن جهة ما كانت تهدد القضاء الإسباني. كأنه كان مرغما على السماح لبن بطوش بالمغادرة من أول جلسة. كأن مسدسا كان مصوبا في اتجاه صدر العدالة الإسبانية. كأن نارا حارقة كانت مشتعلة في ملف بن بطوش وفي زمن قياسي وفي أسرع محاكمة في التاريخ من هذا النوع وفي ما يمكن أن يطلق عليها محاكمة البرق. أو المحاكمة الخاطفة وفي معجزة إسبانية تم تهريب بن بطوش دون أن يحاكم. فكم فضحك هذا الرجل كم كشفك بن بطوش يا إسبانيا ونحن الذين كنا نظن أنك لست منا وأنك مختلفة وغربية وديمقراطية وبعد سنوات وبعد الانتقال الديمقراطي وبعد النمو الاقتصادي الذي حققته نكتشف متأخرين أنك تشبهيننا. وتشبهين كل هذه الدولة التي تحاول جاهدة الذهاب إلى الديمقراطية. دون أن تتمكن من الوصول إليها. وأنك من نفس النادي وأنك أقرب إلينا من كل هؤلاء الأوربيين الغربيين وأنك كنت في أمس الحاجة إلى ابراهيم غالي كي تضربي كل خطابك الحقوقي والديمقراطي عرض الحائط فمرحبا بك في عالمنا. فأنت الآن تتوفرين على كل الشروط ولك كل المؤهلات ولك ملف بن بطوش ولا أظن أن هناك من سيعترض على انضمامك إلينا وإلى عالم الدول التي تعاني من غياب الفصل بين السلط ومن تدخل السلطة في قضائها. فمرحى مرحى بك يا إسبانيا مرحى بوجهك المكشوف دون مساحيق مرحى بك عارية وعلى حقيقتك.