1- لم أسمع بأن موضوع العري أو الجنس أو الهجرة التي تطرقت لها السينما المغربية هذه السنة قد اقلق القياديين بحزب العدالة والتنمية , بل كل ما في الامر أن بعض الاشخاص المحسوبين على الاسلاميين مع بعض المندسين في الجسم السنيمائي هم من يطبلون وينددون بكل فعل سينمائي راق وحقيقي ,علما أن جل الافلام المغربية تطرقت لهذه المواضيع من الناحية النقدية والمعالجة الفنية , والدليل هجومهم على فيلم الموشومة للفنان الاصيل لحسن زينون الذي شاركت فيه بدور قصير لكنه عميق , وهذا الهجوم لم يكن مبررا من الناحية النقدية والجمالية بل والحمولة الفكرية التي اقترحها لنا الفيلم , بل وقف عند مشاهد( العري ) التي استفزت مكبوتاتهم الجنسية وانطلقوا يشتمون ويسبون محراب الفن بصفة عامة لأن لهم اجندة لتصفية الحسابات مع المسيرين للمؤسسات الفنية لا غير ويخدمون فكر الجماعات التي تريد وأد كل ما هو فكري عقلاني , لأنهم بطبيعتهم نقليين ومعنعنين ,من العنعنة , فلا شخصية جمالية وفنية بل فكرية لديهم ويغطون فشلهم المعرفي والوجودي بحائط الاسلام وهو منهم براء , اضافة الى تحويرهم لكل الحوارات الفكرية الى مجرد غوغائية يشخصنوها كي يقمعوا الفكرة ليتركوا المجال للصراعات الذاتية , ففيلم الموشومة يقترح علينا نظرة أخرى للمرأة الموشومة وللوشم في تطوره وتدهوره , بفعل الفاعلين الدين نراهم داخل السرد الفلمي , عبر شخصيات متعنتة وعنيدة يحبون الرأي الواحد , هو فيلم يفصل في ديكتاتورية الجهل والتخلف. فيلم يقترح قراءة شعرية في علاقة المجتمع بجسده للأسف يأتي أصحاب أطروحة الكسل , والقطيعية لينسفوا مشروع العقل والجمال والتآخي المسالم ومحاربة الاستبداد الفكري التي يطرحها الفيلم ليقزموه في جسد عاري , لم ينتبه له الا احساسهم المكبوت. فنحن لازلنا لا نتوفر على رصيد كبير يسمح لنا بتقييم التوظيف الجمالي والثقافي للجسد بصفة عامة داخل الفيلم السنيمائي المغربي , لأننا حورنا المفهوم الراقي والعالم للجسد أي مفهوم التصالح مع الذات الذي يؤدي الى التصالح مع الموضوع , فنحن نتخبط داخل ذات متقوقعة منكمشة على عيوب ليست بها أصلا لقد شوهنا ذواتنا عبر الانطوائية التي فرضتها علينا وضعيتنا السوسيو-ثقافية , فنحن أصبحنا نخاف صراحة الذات مع الموضوع , فأصبح الجسد كموضوع مشوها وغير قادر على رؤية نفسه فدخل في مبارزات مع كل المواضيع الاخرى المرتبطة بالجسد , وأصبحت تستفزه ابسط الصور كيفما كان موضوعها , علما بأن المجتمعات العربية بها خلل انطولوجي فيما يتعلق بمواضيعه الجنسية.
من هنا يمكنني القول بأن موضوع الاغراء لا يمكنه أن يكون في أفلامنا , كل ما هنالك أن هذا الخلل جعل هذه البوليميكا الانتقائية تهيمن على النقاش الجاد , وتضعنا أمام أزمة فنية مفتعلة , بل هناك من يذهب الى حد اعتبار الخوض في هذه المواضيع , التي لم تكن طابوهات الى حدود تنامي الفكر الاقصائي الاوحد الشمولي المتطرف , يستلزم حروبا مقدسة تجتث كل فكرة حرة . تخيلوا درجة الاسفاف الفكري عند هؤلاء ,والذي ذهب حد عدم فهم وتحوير كلام الفيلسوف وعالم الاجتماع ادغار موران في درس طنجة بقولهم أن هذا الرجل قال على أن السينما يجب ان تستجيب لما يطلبه المجتمع , وهذا احتقار لهذا الرجل , وجهل بكل مساراته الفكرية , فالرجل تحدث عن تعدد الاحتمالات في الاقتراحات الفيلمية مما فسر على أنه تقوقع في الكائن ولا يذهب حد الممكن , من هذا المدخل اقول أن السينما هي فن الدهشة والاكتشاف والتماهي , فن الرحلة الجمالية والفكرية الجميلة , فسفينتها تقبل كل من يستطيع ركوب مغامرة البحار , ولا تقبل المتجمدين في مكانهم , الخائفين حتى من سماع صوتهم , المتنكرين لصورتهم , فالمخرج هو ذلك الطبيب الدي يكتشف المرض ويعرض عليك اجراء العملية ليشفيك بنسبة ضئيلة- طبعا لان الشفاء هو مسار علاجي قد يطول وقد يقصر حسب الحالة-, فاذا لم ترغب فذاك شأنك , وليس لك الحق في لومه بعد ذلك , وهذه في نظري هي قوة الفعل السينمائي , وبذلك هو فن الاستفزاز ككل الفنون المنبوذة من طرف هؤلاء .
مع الأسف أن الجهل باللغة السنيمائية جعل منها لقمة سائغة لكل من هب ودب و وكاذب وما كتب , ففي القاموس اللغوي السنيمائي هناك كل ما استعملته الرواية كجنس ادبي في لغتها السردية , هناك البلاغة والاختزال والتفاعل النصي مع الموضوع المقترح , بل هناك الصورة النمطية التي تستغل في بعض الاحيان للتشويق السردي ,,,,,الخ ومن يشاهد فيلم ايزنشتاين بوتومكين الآن قد لا يفهمه , لأن الاختزال من أجل حكي مترابط جاء بليغا حد التخمة في المونتاج , فلا يمكننا أن نقول عن ايزنشتاين أو غيره بحسنا الاخلاقي انه كدا أو كدا اما أن نراه بالعين التي يجب أن نراه بها أو نبتعد عنه , أتعرف لماذا لأن الفعل السنيمائي فعل دمقراطي من يريد أن يركب سفينة المغامرة له ذلك ومن لا يرغب لن يغصبه أحد , فمشكلتنا الحقيقية أننا تخلفنا بسبب ما يقترحه علينا التلفزيون من مسلسلات (الخبير) بشد الباء, يأخذها المتفرج على أنها سنيما فيختلط عليه الامر , وهذا مشكل يرجعنا للواقع التربوي والاعلامي الحقيقي الذي يباشرنا كل لحظة, فهو لا يفرق بين الفعل التلفزيوني الموجه , وأقول الموجه , الى كافة الشرائح الاجتماعية , وبين الفعل السنيمائي المتوجه , وأقول المتوجه الى كل من له الرغبة في دخول قاعة السينما , فهذا الخلط هو من وضع شابلن مع مخرج تلفزيوني بسيط أو بولانسكي مع منتج لم يشاهد حتى فيلم( المكتري ) في نفس السلة , صحيح اننا نعاني من ضعف مهول في الكتابة والاخراج والانتاج الفلمي والتوزيع وكل مسارات وصول فيلم ما الى الجمهور لكننا نعاني أكثر من نقص الثقافة السنيمائية , فما هو الفرق مثلا بين المتفرج والمتلقي والمتجمهر والمشاهد ؟ هل لنا تحديدات مفاهمية في مقالاتنا لكل مصطلح من هؤلاء ؟ فلنسأل أنفسنا عن قواميس لغاتنا المتعددة في التعبير والتحليل والتمحيص , أم عقلنا النقلي قوقعنا في عسل كسل دائم وسرمدي , فأصبحت ذاكرتنا لا تستشرف المستقبل بل تستحلي الماضي فقط .
فحضور بعض الأصوات التي ترتفع ضد المهرجانات العالمية والاقليمية والمحلية التي تحضرها الافلام المغربية ,أو تنظمها الجمعيات والمؤسسات والجماعات داخل الوطن وتعتبرها اسفافا ,هذه المهرجانات بقوة فعلها وتفاعلها هي ما جعل المغاربة يتصالحون مع صورتهم داخل وخارج الوطن , وما هؤلاء الا مجرد مشوشين عن آليات النهضة السينمائية التي يريد المغرب أن يصل اليها عبر تسويق صورته في شموليتها ,داخل وخارج الوطن, فالمهرجانات الذي أصبحت السينما رسولا للمغرب بها لا تخضع لمقاييس بعينها فهناك مهرجانات أوروبية وآسيوية وافريقية وامريكية بصفة عامة صغيرة صغر المشاركات والجمعيات, وكبيرة بحجم المؤسسات السينمائية الداعمة والمنتجة والموزعة , قد يشارك فيلم مغربي في مهرجان لجمعية ببوتسوانا وقد يشارك في مهرجانها الدولي , قد يشارك آخر في دولة اسلامية كإيران أو اندونيسيا وقد يشارك في فرنسا أو روسيا أو الولاياتالمتحدة , وقد يشارك فقط داخل المهرجانات الوطنية , فنحن بلد خصه الله بالتعدد الفكري والعرقي والثقافي والديني , لذا يجب استثمار كل هذا من أجل انجاح تجربة وطن مغربي عريق بكل ثقافاته المختلفة فلدينا الملكية الضاربة في العمق التاريخي ,ولدينا الفكر الجمهوري, والفكر الانفصالي الدي يعيش به مجموعة من الناس يسمح لهم المغرب بالعيش داخله دون عقدة الخوف من الآخر, وهذا تحصيل حاصل وهذه هي الديموقراطية الفكرية والثقافية التي يجب أن نغذي شعبنا من أجلها ولا مجال للغة الاقصاء , وكل ذلك يجب أن يتحقق داخل هذا الوطن العظيم بكل المقاييس الثقافية الشاملة , من الفنون الى الصناعات الاستهلاكية ,وأنا مع السينما الاستهلاكية التي تأخذ شباك التذاكر في الاعتبار الأول , لكنني مع الفيلم التحفة التي سيبقى في رصيدي كمغربي تاريخيا , يعود له أحفادي ليكتشفوا كيف كنا نطرح المواضيع بجرأة وقوة . هذه الاعتبارات كلها عند هؤلاء المسنين جنسيا تتمثل في خلق جدل حول جسد المرأة لا غير ,فنقول لهم أن النظرة الدونية للمكون الأساسي للمجتمع المغربي التي تخضع المرأة لاختبار الجسد (العورة) هي طامة هذا البلد الابداعية وأبعد من ذلك الانسانية الحضارية.
المرأة ليست جسدا يا أخي أنا الرجل أيضا جسد , المرأة لا يمكن اختزالها كجسد الا عندما يريد أحدنا الاجهاز عليها ووأدها كما كان في الجاهلية ,وللإجهاز على حقوق المرأة المادية والمعنوية , يغذون النزعة الذكورية ويحثون بذلك على جرائم الشرف وغيرها , فهذا الفكر اليهودي المتطرف للأسف دخل الينا عبر أئمة الشرق الظلاميين الذين تشربوا فكرهم من المتطرفين اليهود , ونحن لن نستسلم لهذه النظرة التحقيرية والتقزيمية لنسائنا العظيمات , وسنواجه بفننا كل من يعتبر المرأة وجسدها اعاقة له , لمجرد أنه تربى في تدنيس الخلق , من أجل الحط من عظمة الخالق , الذي وضعه من رحم امرأة حبلت به تسعا أو سبعا , وما ذاك الا رحم أم تبكي عندما يمرض وتتأوه عندما يتطرف ضد أخته أو خالته أو عمته أو احدى النساء المحيطين به , لقد وصلنا الى زمن لم يعد لاحد الحق في استضعاف الآخر , أو الوصاية عليه , لان هذا زمن القانون , والديموقراطية (ماشي العددية) الدستورية والقانونية .
وأخيرا وليس آخرا , سنخضع كل شيء للقانون , ولن نترك للإدارات الفنية حق التدخل في الابداع بمساطر رقابية , حتى لا يصبح جسدنا موشوما بعلامات مبرقعة لجسمنا الفني عموما , وسنكون ضد الرقابة لأننا اذا أبحنا ذلك فان التعبير كقيمة انسانية تستلزم الحق في الحرية , سنقزم معها كل الحقوق في الحريات , بل يجب أن تكون لنا رقابة ذاتية كل من وجهة نظره , ولنفتح النقاش بعد الابداع طبعا , وأن لا نلجأ للأساليب الملتوية لقمع الحريات بدعوى(الجمهور عاوز كده ومش عاوز كده