فظل المتغيرات الجيواستراتيجية المتسارعة التي بات يعرفها نزاع الصحراء، وذلك بعد الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، واتساع رقعة الدعم الدولي لخطة الحكم الذاتي المغربية، وكذا افتتاح العديد من الدول لقنصليات بالأقاليم الجنوبية، فضلا عن التأييد الدولي الواسع الذي حظي به حسم المغرب لأزمة الكَركَرات، سرعت الجزائر من وتيرة تحركاتها واتصالاتها الديبلوماسية، فقامت بإرسال وزير خارجيتها في جولات خارجية شملت العديد من الدول، وذلك في إطار خشيتها من تأثير هذه التحولات على التعاطي القاري والأممي مع هذا النزاع الذي دام لأكثر من 45 عاما. فبعد جولة قادت وزير الخارجية الجزائري صبري بوكَادوم إلى عدة دول أفريقية، والتي لم تقتصر على حلفاء الجزائر بالقارة الإفريقية، بل شملت دولا معروفة بعلاقاتها المتميزة مع المغرب، وبدعمها لموقفه من نزاع الصحراء، ولوحدته الترابية، حل بوكَادوم أمس الإثنين بالقارة الأوربية، وبالضبط بالعاصمة الإسبانية مدريد، للقاء المسؤولين بهذا البلد الأوربي الأكثر ارتباطا بالنزاع، والممسك بالعديد من خيوطه، نظرا لماضيه الإستعماري بالإقليم، وذلك سعيا من الجزائر لاستجلاء حقيقة الموقف الاسباني من هذه المتغيرات الجديدة التي يعرفها النزاع. رئيس الدبلوماسية الجزائرية وخلال لقاء له بوسائل إعلام اسبانية على هامش الزيارة، وبعدما أعاد التذكير بمواقف بلاده الداعمة لأطروحة البوليساريو، دعا إسبانيا إلى ما أسماه "تحمل مسؤوليتها التاريخية في نزاع الصحراء، وإلى أن يكون دورها أكثر وضوحا في هذا النزاع، وأنها لا يمكنها الاختباء وراء الأممالمتحدة لسنوات أخرى"، على حد تعبيره، وهي لغة ديبلوماسية تمتح من "قاموس البوليساريو"، ولم تعتد عليها الجزائر خلال بحث مسؤوليها لهذا النزاع مع الإسبان، والتي تخفي استياء جزائريا من موقف مدريد. الحكومة الإسبانية التي ما فتئت تشدد على أن لا مسؤولية سياسية ولا قانونية لها اتجاه هذا النزاع، وذلك منذ أن سلّم سفيرها لدى الأممالمتحدة في 26 فبراير 1976 رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كورت فولدهايم، والتي أعلن من خلالها انسحاب بلاده الكامل من الإقليم، أكدت على لسان وزيرة خارجيتها أرانشا غونزاليس لايا، وعلى أسماع الوزير الجزائري للشؤون الخارجية، أن الحكومة الاسبانية، متمسكة بموقفها الداعم للتوصل إلى حل سياسي تفاوضي لنزاع الصحراء، تحت إشراف الأممالمتحدة، وعلى أنها ستواصل الدفاع عن هذا الموقف، في رسالة تؤكد من خلالها الحكومة الاسبانية، رفضها التعاطي مع المواقف الجزائرية بخصوص هذا النزاع الإقليمي.