كان حسن نجمي في بطن إدريس لشكر. وكان مستمتعا. وكان لا يظهر في الصورة. وكان لا يتكلم. وكان كأنه لم يكن. لكنه كان. كان مغطى. كان في مأمن. كان موجودا في ادريس لشكر أكثر من كل الذين يجهرون بذلك. كان يسبح فيه. كان يحبه بصمت. وفي خفية. كان معحبا به. كان مقتنعا بالقيادة ومشتغلا معها. كان طوع بنانها. وكان موافقا على كل ما يقوم به الكاتب الأول. ولم يحتج يوما. ولم يقل أي اتحاد اشتراكي هذا. ولم يقل أي درك هذا. ولم يقل أي قاع وصلنا إليه. ولم يسمع له صوت. وكثيرون كانوا يظنون أنه منسحب. لكنه في الحقيقة كان في بطن الكاتب الأول. وكان يعيش فيه. وكان راضيا. ولم يظهر له أي عيب. ولا أي تراجع. ولا أي انحراف. ولا أي تشويه للحزب. وكان ادريس لشكر يعتني به بالمقابل. ويمنحه مقعدا في المكتب السياسي للحزب. ويطبطب عليه. وكان صامتا. وكان تحت رعاية الحبيب المالكي. وكان خلفه. في كل المناصب. وكان المالكي يضع حسن نجمي في حقيبته. وأينما ذهب يأخذه معه. وكان يأخذه معه إلى الديوان. وإلى مجلس المستشارين. وإلى أي مكان يحط فيه. وكان يتجول به. وكان حسن نجمي مستفيدا من مرحلة إدريس لشكر. كما لم يستفد منها أحد آخر. كان مستلقيا فيه. وكان يتأرجح فيها. كان حيا في بطنه. وكان نائما فيها. متمتعا بالدفء. وبألعاب الاتحاد الاشتراكي الجديدة. وبالفهلوة السياسية. وبالتذاكي الاتحادي على الأحزاب وعلى المخزن وعلى الناس. والذي كانوا يظنونه ذكاء. وكان له نصيبه من كل هذه الحيل. وكان ممتنا لكل مجهودات ادريس لشكر. وهذا كله. دون أن يضطر حسن نجمي إلى الظهور في الصورة. ودون أن يراه أحد في الخارج. ودون حاجة إلى أن يُسمع له موقف. وكان في منأى عن كل محاسبة. ولم يكن يقول له أحد ماذا تفعل في بطن ادريس لشكر. وهل مازلت صغيرا. وهل لا تريد أن تكبر. وهل لا تخجل. وأليس من الأفضل لك يا حسن نجمي أن تأخذ من ادريس لشكر مسافة. وأن لا تلتصق بهذا الاتحاد. وأن تبتعد عنه. وألا تخشى على سمعتك. وهل يوجد كاتب يتبع المالكي وادريس لشكر. لكنه كان متشبثا بهذا الاتحاد. وكان مختبئا فيه. وكان صامتا. وكان منتعشا. وكان متفرغا. فعاش أبهى أيامه مع ادريس لشكر. عاش بعيدا عن العيون. وعن الصحافة. عاش أجمل عيشة في فراغ الاتحاد الاشتراكي. عاش في كنف رئيس مجلس المستشارين. عاش دون تعب. وحين كان الجميع يتحدث عن موت الاتحاد الاشتراكي كان حسن نجمي حيا في الميت. وحين كان الجميع يشير بالإصبع إلى ادريس لشكر كان هو في بطنه. وكان مثقفا. ومستشارا. وخبيرا. وموظفا فيه. كان في الظل. كان في بطنه. يمرح. ويعمل. كان مختبئا. ولا يتعرض لنظرات المتابعين. ولا يُرى بالعين المجردة. ولا يظهر إلا بالكشف بالصدى. ومنذ كم سنة وهو في هذا الاتحاد. ومنذ كم من فضيحة. ومنذ كم من تراجع. ومنذ كم من إساءة للتاريخ. ومنذ أن مات الاتحاد وحسن نجمي فيه. يناضل فيه بصمت. ودون أن ينبس ببنت شفة. وبأقل مجهود. وبخفر. ودون أن يعرف أحد أن حسن نجمي مازال في الحزب. ودون أن يدخل في أي صراع. ودون أن يرد على خصوم الاتحاد الاشتراكي. إلى أن جاء آخر تعديل حكومي. وحينها غضب حسن نجمي. وحاول أن يصبح مناضلا من جديد. وحاول جاهدا أن يسترجع تلك اللغة القديمة. وأن يتذكر الاتحاد الاشتراكي وحجمه وتضحياته وشهداءه ومكانته. وكل الأغاني. وكل تلك الموسيقى التي لم تعد تطرب أي أحد. وحاول أن يبيض صفحته. وحاول أن يخرج من بطن ادريس لشكر. بعد أن تأكد أنه لا يوجد في اللائحة. وبعد أن اقتنع أن الكاتب الأول "خدعه". ونومه. متحدثا عنه في الإعلام ككفاءة اتحادية. كي لا يوزره في نهاية المطاف. ومنذ ذلك الحين وحسن نجمي يميل إلى النضال. وإلى تبني المواقف. كما فعل اليوم. في رسالة بعثها إلى الكاتب الأول. متهما إياه ببهدلة الحزب وتمريغ سمعته في الوحل. وفجأة. استيقظ حسن نجمي من نومته. وتملكته الغيرة. وصحيح أن "الاتحاد لم يعد هو الاتحاد" وصحيح أن الاتحاد "لم يعد يشبه نفسه". وصحيح أيضا أن "الاتحاد ليس مقاولة خاصة أو ضيعة شخصية يتصرف فيها الكاتب الأول بمزاجه". كل هذا صحيح. لكن أين كان حسن نجمي خلال كل هذه المدة. لقد كان في بطن ادريس لشكر. وكان يتبع الحبيب المالكي. وكان مستمتعا بالوضع. كان أسعد اتحادي. ولم يغضب. ولم يثر. ولم ينتبه إلى حال الحزب وسمعته. ولم يتذكر القيم. والديمقراطية. والأخلاق. إلا بعد أن اكتشف أن ادريس لشكر لم يقترحه ليصبح وزيرا. وقد كانت فرصته. بعد أن هرب معظم الاتحاديين من الاتحاد الاشتراكي وقد كانت فرصته التي لا يجب أن يفوتها لكن الكاتب الأول حرمه من ذلك. وإذا كان من فضل لادريس لشكر على حسن نجمي فإنه جعل منه من جديد مثقفا عضويا وجعله يحتج. ويغضب. ويخرج من بطنه. باحثا من الآن عن موطىء قدم في الاتحاد القادم. وعن قيادة تقدر كفاءته. فكم كانت رسالة حسن نجمي مؤثرة. وكم كانت في وقتها. وكم كانت فاضحة. وكم كانت مضحكة. وهي تطالب بإقالة وزير العدل. وكم لم يصدقها أحد. لأنها متأخرة. ومتأخرة جدا. ولأنها كاتبها شخص عاش في بطن الكاتب الأول. ولأنه لا يتكلم. ولا يعرف أحد أنه موجود ولا يظهر له أثر إلا حين يكون هناك اقتراح وزراء. وإلا حين يكون هناك منصب فارغ. وإلا حين يكتشف أن اسمه مشطوب عليه. فيثور ويصبح مناضلا. وبطلا. بعد فوات الأوان. وبعد خراب مالطا.