ليست الحقيقة هي الأهم في ما يحكيه عبد الصمد بلكبير. بل المتعة. بل الخيال. والإبداع. وكل قضية. وكل فكرة. تمنحها لعبد الصمد بلكبير. يدورها في رأسه. ثم يحولها إلى ذهب. ويمنحها بعدا ملحميا. وإلى حكاية تسلب الألباب. لكن يبدو أن كثرا لا يعرفون عبد الصمد بلكبير حق المعرفة. ولا يقدرونه حق قدره. ولذلك يتعرض اليوم للانتقاد. ولذلك يلام على ما قاله عن بنكيران. وأنه مفلس. وليس له ما يقيم به أوده. وما عليكم كي تتأكدوا إلا أن تجربوا عبد الصمد بلكبير. وتختبروه. وجربوا مثلا. واطلبوا منه أن يحدثكم عن البطاطا المغربية. ودون أن يفكر طويلا. سيقول لكم إنها محاصرة. وهويتها مهددة. ودول كثيرة تتآمر عليها. ومع أنها مجرد بطاطا. ولا قيمة لها. فله القدرة أن يحولها إلى ثمرة تفاح حمراء ولذيذة. ويجعل القوى العظمى تنظر إليها. وتننافس عليها. وتخطط لالتهامها. وجربوا أن تسألوه عن البصلة. وعن سعرها المرتفع هذه الأيام. وسيقول لكم إن ثمنها غير بريء. وأن قتلها مخطط له. وذلك في قالب حكائي لا مثيل له. وبلكنة مراكشية. تجعلك لا تمل من الاستماع إليه. وتطلب منه المزيد من الحكايات والقصص. وهناك من انتبه إلى ما يتميز به عبد الصمد الكبير. فحرص على استضافته. ومحاورته. بمناسبة أو بدونها. وهناك من يستدعيه دائما إلى المحاضرات. لمعرفته بقواه الخارقة في الحكي. وفي إدهاش المستمعين. وأكثر من يستمتع به هم الإسلاميون. والقوميون. والمؤامراتيون بكل أشكالهم اليمينية واليسارية. كما لو أنك تتفرج في فيلم. كما لو أنك تقرأ رواية. كما لو أنك في عالم مواز. ولا أنت في الواقع. ولا أنت في الخيال. بل بين بين. ويكفي أن تمنحه أي اسم. لتتمتع. وتصاب بالرعب. ولتر المؤامرات في كل شيء. وفي الحجر. وفي مطب الطريق. وفي فنجان القهوة. وفي وجهك في المرآة. ودائما. وكيفما كان الموضوع. فإن عبد الصمد بلكبير لا يتردد في ربطه بفرنسا وأمريكا وروسيا. ودائما هناك جهات خارجية في رأسه. وأي شيء. وأي شخص. يمكن لعبد الصمد بلكبير أن يكشف لك المخابرات التي تتحكم فيه. وإذا دهسك قطار. فلا تصدق أن القطار هو من دهسك بمحض إرادته. بل أرسلوه إليك. والقطار في هذه الحالة ليس بريئا. وليس قطارا. بل هو عميل. ومتنكر. وقد يكون أمريكيا. وقد يكون إسرائيليا. وقد يكون روسيا. حسب مزاج الحكواتي. لكن عبد الصمد بلكبير لا يمنحك كل التفاصيل دفعة واحدة. بل يلمح. محافظا بذلك على التشويق. وعلى الإثارة. ومنذ سنوات وهو يروي الحكايات. ويبدع القصص. ويشط في الخيال. لكن هناك من اكتشفه متأخرا. ولم يفهمه. فقرر أن يهاجمه. وهناك من يتساءل هل حقيقة ما قاله عبد الصمد بلكبير عن بنكيران. وهل كان فقيرا لا يجد قوت يومه بالفعل. ولا يجد. الشيبة. ولا الشاي. ولا غريبة. ولا الفقاص الذي يقدمه لضيوفه في صالون بيته. وهل كان معرضا للتصفية. لكن المبدع عبد الصمد بلكبير لا يتحدث هنا عن الواقع. بل يمارس التخييل السياسي. وهو جنس معروف في الغرب. ويمزج بين الصحافة وبين الأدب. ويمارسه كتاب معروفون. ولعل عبد الصمد بلكبير هو المؤسس له في المغرب. ولو كان يكتب مواقفه. ونظرته للأحداث السياسية. ولو كان يجمع حوارته. ومحاضراته. ويعيد الاشتغال عليها روائيا. لصار لنا نحن أيضا كاتب كبير يحكي عن الواقع. وعن السياسة. وعن الآن هنا. هذا النقص المغربي. ويطعم كل ذلك بالبهارات. وبالمبالغة. وبالخيال. وبالمؤامرات. وبالخيانة. وبالمخابرات. وبالاغتيالات. فيقع لك لبس. ولا تعرف هل ما تسمعه حقيقة أم خيال. وهذا هو ملح الأدب. وهذا ما يتميز به عبد الصمد بلكبير عن غيره ويجعله عظيما. وومتعا. ومثيرا. فلا يمكنك تصنيفه ولا القبض عليه. وربما السلطة هي الوحيدة التي تعرفه حق المعرفة. وتقدر إبداعه. ولذلك لم يستدعه أحد. ولم يسائله أحد عن القطار الذي دهس عبد الله بها. ومن أرسله. وعن سيارة بنكيران التي حمته من التصفية التي كان سيتعرض لها. لأن السلطة في المغرب ذواقة وديمقراطية ولا تتدخل في الإبداع. وفي الأدب. ولا تمارس عليه رقابة. ولأنها في الغالب تتمتع أكثر منا بخيال عبد الصمد بلكبير الجامح.