نشرت الافتتاحية فعدد اليوم من “الصباح //// مضحكٌ أن تكتشف وزارة الخارجية والتعاون أن وزيرا أرعن كان، يوما، على رأسها . والأرعنُ في اللغة العربية، هو الشخص الأهوج في منطقِه، أو الأحمق والطائش في أفعاله وأقواله. فمؤسف أن يصدر عن وزارة “الفن الديبلوماسي” بلاغٌ يغرفُ من قاع الحمامات الشعبية في حديثه عن رجل دولة، قد نختلف أو نتفق معه، لكن لا يمكن أن نسقط عنه حقه في واجب الاحترام له وللخدمات، التي قدمها للبلد من مواقع مختلفة. إن المحبرة التي كتب بها بلاغ وزارة الخارجية لا يمكن أن تكون إلا خارج التاريخ والمنطق والسياق الراهن الذي يعيشه المغرب، وتعود إلى سنوات الحجر والجمر وتكميم الأفواه و”للي دوا يرعف” التي اعتقد المغاربة أنهم قطعوا معها إلى الأبد. ولنفترض (على سبيل الافتراض فقط) أن صلاح الدين مزوار، بصفته رئيسا لتجمع مستقل لجزء من رجال الأعمال المغاربة، تجاوز حدود اللياقة في الحديث عن الشأن الداخلي الجزائري، فهل كان من الضروري أن تصفعه الوزارة ببلاغ ناري، أم كان عليها أن تعالج الموضوع في القنوات الديبلوماسية الداخلية، وعبر حوار هادئ مع رجل كان، إلى وقت قريب، وزيرا للخارجية والمالية والصناعة والتجارة وتأهيل الاقتصاد ورئيس حزب مغربي. أَمَّا والرجل لم يعد يتحمل أي مسؤولية رسمية، ولم يعد ملزما بواجب التحفظ، فإن ما صدر عن وزارة ناصر بوريطة لا يمكن اعتباره إلا اعتداء صريحا على حرية الرأي والتعبير، وخرقا لحق إنساني في الاختلاف مع هيأة أو نظام سياسي، شرط أن يكون الاختلاف يحترم قواعد اللياقة ولا ينحو إلى القذف والسب. ما عبر عنه مزوار هو جزء من النقاش العمومي لأغلب المغاربة، الذين يعتبرون قضية الجزائر شأنا داخليا مغربيا، كما يعتبر الجزائريون الكثير مما يجري في المغرب يمسهم مباشرة ويتابعونه في إعلامهم وقنواتهم السياسية والديبلوماسية. نقاش في إطار التعبير الحر، لا يمكن وضعه في كفة واحدة مع وزير الخارجية الجزائري السابق، الذي تناول الميكروفون في لقاء أمام رجال أعمال، واتهم المغرب بتهريب الحشيش في طائرات الخطوط الملكية، ورغم ذلك لم نسمع أن بوريطة غضب عليه، أو عاقبته دولته ببلاغ وصفه بالأرعن، قدم بعده استقالته. فلسنا هنا في موقع الدفاع عن مزوار، كما لا يمكن أن ننوب عنه، لكن من حقنا الدفاع عن مغرب آخر مختلف. مغرب نقطعُ فيه مع منطق التخوين وسوء النية والتشنج والوصاية على المغاربة وعلى آرائهم ووجهات نظرهم، التي تبقى مجرد وجهة نظر تقبل الصواب، كما تقبل الخطأ. لقد “أكثرت” وزارة الخارجية في الشكل والمضمون. فوجب الاعتذار. أضعف الإيمان.