سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
توظيف الأسطورة ورمزية الفيض في فيديو كليب عادل الميلودي والشيخة تراكس! الأسطورة مقلوبة في أغنية حلوفة. فالشيخة تراكس هي المسافرة. وهي عوليس. بينما الميلودي. هو بينيلوب. وهو الذي ظل ينتظرها. حاملا قوالب السكر. أما آلة التراكس فهي السفينة
عودي. عودي. أين أنت ذاهبة يقول عادل الميلودي للشيخة تراكس في أغنيتهما الجديدة. فترد عليه : أنا ذاهبة إلى دار والدي. وبحسرة. وبأسف. تضيف الشيخة تراكس”صرت عدوا لي يا حبيبي”. وكما في رحلة المرأة الأولى. وبتوظيف ذكي من كاتب الكلمات والمغني عادل الميلودي للأساطير القديمة. ولقصص الحب الخالدة. تحمل تراكس حقيبتها. متجهة إلى منزل أبيها. لكن الأغنية. لا تمنحنا كل أسرارها دفعة واحدة. تاركة للمتلقي وللمستمع فرصة أن يشارك فيها. وأن يخوض غمار الرحلة. وأن يواجهة مع البطلة أخطارها. وأن يشق مع تراكس طريقها. وأن يرافقها. وأن يكتب معها قدرها. فغالبا لا تذهب المرأة في الملاحم العظيمة إلى دار والدها. بل إلى المجهول. وإلى مغامرة الحرية. وإلى محطة ولاد زيان في اتجاه مدينة الجديدة. أما الأب فهو الوجه الآخر للزوج. وهو الذي سيشدها من قب جلابتها ليرجعها إلى بعلها. حسب رائدات الفلسفة ما بعد النسوانية في أمريكا. وعلى عكس ما فهمه بعض النقاد. فلا نزعة ذكورية في هذا العمل الفني. ولا تحقير للمرأة. وربما استحضر عادل الميلودي “ليليث”. وربما مثّلها بالشيخة تراكس. باعتبارها زوجة آدم الأولى في الأسطورة. الزوجة الند مقابل حواء التي خلقت من ضلعه. ليليث المتمردة. دائمة الترحال. والمغرية. والفاتنة. والمكتفية بذاتها. وغير المحتاجة إلى الرجل. وهي هنا. في الأغنية. المرأة الحرة. المستقلة. المسافرة دوما. وهي تراكس-ليليث التي رفضت الخضوع لآدم. ولكل الرجال. ولعادل الميلودي. أما حين وصفها عادل الميلودي بالحلوفة. فلم يفعل ذلك اعتباطا. بل لأن ليليث في النصوص القديمة وعند اليهود هي الحية. مستبدلا الحية بالحلوفة. لينزل بالرمز من عليائه. وليدخله إلى المجال التداولي المغربي. وقد كان عادل الميلودي موفقا في ذلك. وذكيا. لأن المتلقي المحلي يقبل أن تكون تراكس حلوفة. بينما لن يستوعب أن تكون أفعى. كما أن الذوق المغربي يميل إلى الحلوفة أكثر من ميله إلى الحية. والحلوفة مكتنزة. وفائضة. ومحرمة. أما الحية فهي كل المانكانات اللواتي صنعتهن الثقافة الغربية المسيحية اليهودية. حيث تجنب عادل الميلودي أخطاء الشعراء التموزيين العرب من أمثال يوسف الخال وخليل حاوي والسياب في بعض قصائده. وكذلك الشعراء الذي كتبوا قصائد مفتعلة ومليئة بأسماء شخصيات وأبطال وآلهة الأوديسة والإلياذة. وانساقوا وراء الموضة. التي تبدو اليوم مضحكة لمن يقرؤها. كمن كان يكتب منهم عن عوليس. وعن بينيلوب. وعن زوس. وهيرا. وعن الحوريات. دون أن يرف له جفن الشعر. إلا أن الشيخة تراكس ليست حورية. ولن يقبلها مغربي أن تكون كذلك. وليست أفروديت. وبدل ذلك. فقد وجد عادل الميلودي ضالته في أفلوطين. وفي نظرية الفيض بالخصوص. وقد ظن ناقد معروف أن مشهد الشيخة تراكس وهي جالسة تغسل الثياب وتطرطش الماء يحيل مباشرة إلى بينيلوب. وهي تنسج الثوب في انتظار عودة عوليس. والحال أن الأسطورة مقلوبة في أغنية حلوفة. فتراكس هي المسافرة. وهي عوليس. بينما الميلودي. هو بينيلوب. وهو الذي ظل ينتظرها. حاملا قوالب السكر. وهو الذي ستظل تغريه الخاطبات. وهو الزوجة هنا. الزوجة الرجل. الزوج المرأة. في قلب متعمد للأدوار. منتصرا للمرأة. ولحقوقها. ولرغباتها. مدمرا كل ما بنته السلطة الذكورية. معيدا كتابة قصة الخلق من جديد. أما آلة التراكس فهي السفينة. ولذلك سيعود الميلودي وسيدخل إلى منزله.. بينما سيحمل التراكس زوجته لوحدها. في اتجاه الحقول. والفيافي. كي يقول وسط الأغنية: قومي. قومي. قومي يا تراكس. موجها إليها اللوم بتمنعها وهجرته لها ورفضها أن تنام معه في نفس السرير. حيث تحضر الإيروتيكا خاقتة وموحية دون أن تتحول إلى بورنوغرافيا فجة ومباشرة. لكن ماذا عن الفيض. وعن أفلوطين. إنه هنا فيض الشيخة تراكس. وملئها للعالم كله. وشغلها للحيز. واننتشارها في الوجود. وهي جالسة. وهي واقفة. وهي تمشي. بينما الكاميرا حريصة على تصوير الفيض. وحلوله في عين المشاهد. وحيث واجب الوجود. يتجلى في ممكن الوجود. ومع ذلك. ومهما كتبنا عن هذه الملحمة-الأغنية. فلن نتمكن من سبر كل أغوارها. ولن نكشف كل ثيماتها. ورمزياتها. وإيحاءاتها. وسوف تظل عملا فنيا غنيا وقابلا لكل التأويلات. وهذه مهمة يجب أن تضطلع بها الأجيال القادمة. ونقاد المستقبل. ليفتحوا كل مغاليق حلوفة. لكني متأكد أن خلف كل سر من أسرارها سر آخر. وخلف كل رمز رمز. وهذا ما سيمنح هذه التحفة حياة أبدية. وخلودا. ورغبة في الاستماع إليها. والتفرج عليها في العصر الحالي. وفي كل العصور القادمة.