بداية ألف مبروك للبيجيدي, أو لكي نكون أكثر دقة ثمانون مبروك بعدد المقاعد التي حصلوا عليها في القبة في انتظار مقاعد اللائحة الوكنية. بعدها يجب الاعتراف أن تصويت المغاربة على حزب محافظ بمرجعية دينية ومنح حزب محافظ بمرجعية يمينية هو الاستقلال الرتبة الثانية هو اختيار يتماشى مع العقلية المحافظة التي أصبحت في شارعنا العام, لذلك لا استغراب, ولا اعتراض أيضا, فقد كنا نحلم بمشاركة في المستوى من طرف الناس, وهاهي قد أتت, فلا يليق بنا بعد أن أتى الناس وصوتوا وشاركوا أن نلومهم فقط لأن اختيارهم السياسي لم يرقنا في نهاية المطاف. المسألة لاتصح, وغير مقبولة نهائيا, ونحن لن نقوم بها. بالمقابل من حقنا التعبير من الآن عن كل المخاوف التي تخالجنا على كثير من الأشياء, خصوصا وأننا نعرف أن الحزب الحاكم الجديد سيعمد إلى بعض الإجراءات اللابد منها من أجل "طبع الرأي العام", ومن أجل إرضاء كتلته الناخبة, وهي إجراءات لايمكنها إلا أن تسير في اتجاه معاكس للحريات الفردية ولمجالات الإبداع والتعبير الفنيين, مايعني أن معركة رقابة كبرى ستقوم في البلد ولا بد من خوضها, ولا يمكن بمبرر أن هذا الحزب أًصبح الأول في البلد اليوم أن نعيدها إلى الخلف أو أن ندفعها للتواري. الأمر لايتعلق بحزب عادي نهائيا. الأمر يتعلق بحزب ذي مرجعية دينية واضحة, لا يتردد في التعبير عن رغبته الدخول بها كاملة إلى المجال السياسي, وهو مايعني أننا أمام خصم فكري وسياسي أصبح اليوم في موقع الحاكم, ويجب التعامل معه على هذا الأساس, مثلما يجب ألا نحمله أكثر مما يحتمل, فإخوة بنكيران يعرفون حدود الممكن من المستحيل في المملكة اليوم, وهم يريدون أساسا الفرصة لإظهار "ّحنة يديهم" أكثر مما يريدون أي شيء آخر, وخصوصا إظهار أثر هذه "الجنة" في شبههم ببقية الأحزاب الأخرى, وإقناع من بيدهم الحل والعقد أنه من الممكن "الحكم سواء دون أدنى إشكال". "الله يسهل على الجميع", فاختيارات الحزب السياسية تهمه هو أولا وآخرا, ومايهمنا نحن منه الآن هو ما ينتظره المغاربة من صعوده, لأن لعبة الديمقراطية تقضي بأن يتحول هذا الحزب فور تسلمه الحكومة من "حزب المنتمين إليه والمتعاطفين معه" إلى حزب حكومة كل المغاربة, وهنا بالتحديد تبدأ صعوبات العمل بالنسبة للبيجيدي الذي جرب في السابق سهولة ونعومة الحديث الهادئ والبارد عن بعد عن كل المشاكل التي يعيشها المغرب, وجرب إعطاء النصائح والدروس للآخرين الذين يحكمون, واليوم هاهو يستعد لتجريب كيفية التعامل مع هذه المشاكل من أجل حلها لا من أجل انتقاد من لايستطيعون حلها فقط.
التجريب, لعلها الكلمة القفل اليوم لفهم الكثير مما يجري وسيجري في لاساحة السياسية المغربية. المغاربة قالوا "جربنا الجميع, وكانت خيبتنا كبرى, لماذا لا نجرب هؤلاء الأخيرين باعتبارهم من تبقى لنا؟", و"المخزن" _ على افتراض أن هذه الآلية العتيقة في الحكم لم تتفكك يوما في المغرب ولازالت تفعل الأفاعيل _ يقول "لم لا أجرب هؤلاء الدينيين, وأرى إمكانية التعامل معهم وهم في موقع آخر غير موقع المعارضين؟", والعدالة والتنمية بنفسه يقول "لم لا أجرب حظي في كرسي آخر وموقع مغاير للكرسي والموقع الذين كانا لي حتى اليوم؟". في الختام لعبة التجريب هاته تجعل العالم كله يضع عينيه علينا من أجل معرفة النتائج المترتبة عنها, خصوصا وأننا نقترح اليوم في المغرب درس استثناء آخر على العالم العربي المحيط بنا هو درس إيصال الإسلاميين إلى الحكم أو الحكومة بصناديق الاقتراع لا بأي شيئ آخر, عكس ما وقع في ليبيا التي وصلوها على أنقاض جثة العقيد المسحولة, وعكس ماوقع في تونس التي وصلوها على ظهر سرقة موصوفة ولافتة للانتباه لثورة الياسمين, وعكس ماوقع ويقع اليوم في مصر التي يستعد أهل حزب النور في ساحة التحرير بها لإعلان الحكومة الملتحية من هناك وترك الطنطاوي ومجلسه العسكري دون أي سلطة في نهاية المطاف.
المغرب يقترح درسا حضاريا على عالم عربي "غير متحضر كثيرا من هذه الناحية": اللجوء إلى أصوات الناس, الاحتكام إلى الصناديق, والقبول بما سيقرره الشعب في النهاية, وهذا الاستثناء الذي قد يشكل بديلا مهما ومقبولا لكل ماوقع حتى الآن في العالم العربي أمر يهمنا استمراره ونجاحه في بلادنا مثلما يهمنا أن نرعى كل المكتسبات التي حققناها في البلد حتى الآن وعلى رأسها حرية المغرب في أن يتنفس هواء غير مقيد برغبات تكفيرية أو رقابية متخلفة في أي يوم من الأيام.
هو الرهان الذي تحمله هاته الانتخابات ونتائجها إلينا اليوم, وهو الرهان الذي لن ينجح إبدا إذا لم تتضافر جهود الجميع _ الجميع دون استثناء _ من أجل الوصول إليه. فهل نكون في الموعد؟ أم ترانا نخلف اللحظة التاريخية الكبرى التي تفتح لنا أحضانها بكل أريحية هاته الأيام؟ ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق أحزنني موقف حزب بالتحديد هو حزب "الاتحاد الاشتراكي" من كل ماوقع له في هذه الانتخابات. هذا الحزب فقد الحاسة التي تمكن المرء أو التنظيم من فهم مسألة هامة : أنه انهزم وأنه يجب أن يبدي رد فعل ما على هذه الهزيمة.
للأسف الاتحاد مثلما أصبح اليوم لم يعد قادرا على فهم الهزيمة ولا على استيعاب دروسها، ولا حتى على إبداء أي رد فعل إزاءها، وعندما رأى الناس عبد الواحد الراضي معتمرا طاقيه وداخلا إلى مكتب عباس الفاسي من أجل "المشاورات" فهموا أن "اللي عط الله عطاه"، وأن إكرام الميت دفنه بالتأكيد الله يرحم الاتحاد ديال يامات زمان وصافي