انكسارات تتوالي ولا أمل في الأفق...هذا هو حالنا اليوم. لكن ما الذي حدث حتى وصلنا إلى هذه الحالة العارمة من الضبابية والإحباط؟ خلال الفترة الأخيرة عشنا مجموعة من الآمال، تبخرت كلها تباعا لتزيد من تكريس مقولة :"المغرب، بلد الفرص الضائعة". انطلقت الآمال بوصول نسائم من الربيع العربي إلى شوارع البلاد. خرجنا جميعا لنحتفل ونطالب. نحتفل بسقوط الديكتاتور العربي المعشش في ثنايا عقولنا، ونطالب بواقع أفضل. بمغرب آخر ممكن إذا توفرت الإرادة...وكانت الآمال كبيرة في تلك اللحظة...كبيرة لدرجة أننا خلقنا داخل أنفسنا وهما بأن الإصلاح قريب. الذين خرجوا إلى الشارع في البداية كانوا في أغلبيتهم يضعون نصب أعيهم هدفا وحيدا: الإصلاح. الكل كان يعرف أن المغرب مختلف، والكل كان يريد أن يغذي هذا الاختلاف...لسنا ديكتاتورية مطلقة كباقي الدول العربية، ولا نريد إسقاط نظاما. نريد فقط حقنا في تحقيق الديمقراطية الكاملة، وأن نجد لانفسنا مكانيا بين الدول المتقدمة تحت شمس الحداثة. خرج الملك يوم 9 مارس ليؤكد على هذا الحق في الإصلاح. أعلن عن دستور جديد، وعن آفاق أرحب تتقلص فيها سلطاته لصالح المؤسسات. كانت ضربة سياسية رائعة، خلقت نوعا من الانسجام الخفيف والنادر بين الشارع والحاكم، ومنها انطلقت المشاكل وظهرت المتناقضات داخل كل طرف. في الشارع اختلطت الأوهام بالأحلام لتتحول إلى كابوس.
أحلام اليساريين القدامى التي كادت تنطفئ قبل أن يوقدها من جديد جسد البوعزيزي وهو يحترق. وأوهام العدل والإحسان التي تشبه هلوسات الحشاشين وشيخهم حسن الصباح الذي كان يوهمهم بالجنان إن نفذوا عملياته، في حين أنهم كانوا يعيشون غائبين عن الإدراك في حدائق قلعته. أما في جناح الحاكم، فكان أصحاب المصالح. هؤلاء تخلصوا من أوهامهم ومن أحلامهم من زمان، وما يعنيهم هو جيوبهم وما يمصونه من دماء. كيف سيسمحون هكذا بكل بساطة أن يتحول الانسجام الحاصل إلى تعاقد، والتعاقد إلى نظام، والنظام إلى نور يعريهم، ويعري جرائمهم؟ أصحاب المصالح، بذكاء كعادتهم، استغلوا غباء أصحاب الأوهام والأحلام، ونفورنا نحن المتخاذلين الذين في المنزلة بين المنزلتين، ليفغروا خطاب الإصلاح من محتواه...زرعوا حالة الشك وأعادوا إحياء كراكيزهم وبيادقهم التي كانت على وشك الانقراض...
بعد كل تلك الآمال وحينما أفكر اليوم أنه غدا قد يحكمني مزوار والأربعون حرامي داخل مسخهم الثماني، أقول لنفسي أكيد أننا نستحق أكثر من هذا رغم كل عيوبنا...ما حدث ويحدث عندنا كان مجرد موجات ارتدادية بسيطة لزلزال حدث بالقرب منا...أتمنى أن تشتغل أجهزة الإنذار قبل أن نستيقظ يوما لنجده عندنا...أتمنى.