د عبد اللطيف بروحو – متخصص في العلوم الإدارية والمالية العامة// تضمن مشروع القانون المتعلق بالمراكز وباللجان الجهوية للاستثمار اختصاصات حقيقية تتعلق بتحفيز ودعم وتشجيع الاستثمارات، وهو ما يتناغم مع تطلعات الرأي العام والمختصين في هذا المجال. فاعتماد مؤسسات عمومية بمهام من هذا القبيل يستبطن مقومات النجاح وتجاوز أعطاب ومحدودية المراكز الحالية التي أصبحت عاجزة عن مواكبة سياسة الدولة في هذا المجال. ولا تنحصر مهام المراكز في تنفيذ سياسة الدولة المتعلقة بالاستثمار، وإنما تطال أيضا الخدمات المقدمة للمستثمرين والتحفيز الاقتصادي للجهات والعرض الترابي المتعلق بالاستثمار، وكذا تسوية الخلافات بين المستثمرين والإدارات العمومية. لكن بالمقابل كان يتعين إعطاء المراكز استقلالية حقيقية لتمكينها من ممارسة مهامها واختصاصاتها في هذا المجال، خاصة وأن طبيعة مجلسها الإداري وتركيبته التنظيمية قد يتسبب في نفس الأعطاب التي كانت تعاني منها سابقتها. كما كان يتعين ربط مهام اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار بإطار وأساس تشريعي واضح يستجمع السياسات العمومية في هذا المجال، ويجعل اللجان تابعة لهذه المراكز وليس العكس. وهو المجال الذي يفترض أن ينظمه القانون الإطار المتعلق بميثاق الاستثمارات التي تعده الحكومة، وبالتالي كان يفترض أن يتناغم العمل على إصلاح المراكز مع إعداد ميثاق الاستثمارات. وبشكل عام، يتأسس إنجاح هذا الإصلاح على مجموعة من الشروط والمعطيات الشكلية والموضوعية المرتبطة بوضعية المراكز واستقلاليتها من جهة، وبتركيبتها وطبيعة المهام والاختصاصات الموكولة إليها. أولا: الاستقلالية الفعلية عن الإدارة الترابية: نص مشروع القانون على تحويل المراكز الجهوية للاستثمار لمؤسسات عمومية متمتعة بالشخصية المعنوية الاستقلال المالي، وهذا مهم جدا وينسجم مع مذكرة رئيس الحكومة المرفوعة للملك خلال شهر أبريل الماضي. غير أن التنصيص على رئاسة والي الجهة لكل من المراكز الجهوية واللجان الجهوية للاستثمار يؤدي للتراجع عن منطق الإصلاح، بالنظر للتجربة السلبية لتحكم وزارة الداخلية في المراكز الموجودة منذ سنة 2002. وكان الأجدر جعل هذه المراكز مؤسسات عمومية كاملة الاستقلالية مع مجالس إدارية تحت رئاسة رئيس الحكومة الذي يمكنه التفويض لوزارة الداخلية أو وزير التجارة والصناعة. وبالمقابل نجد أن هذا المشروع يتضمن المشروعين معا في نص واحد، وتم توزيع أقسامه بشكل يجعلهما تابعين لبعضهما البعض تحت رئاسة والي الجهة، وهذا ما يرسخ التبعية المطلقة للإدارة الترابية ويتناقض مع أسس ومبادئ اللامركزية القطاعية الذي تجسده المؤسسات العمومية. وكانت مذكرة رئيس الحكومة المرفوعة للملك قد تضمنت بشكل صريح إعداد نصين تشريعيين منفصلين، يتعلق أحدهما بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار لتصبح مؤسسات عمومية، وآخر يهم توحيد اللجان الجهوية للاستثمار وتوضيح مهامها، وهذا ما يعتبر أحد الشروط الشكلية الأساسية لنجاح التجربة الجديدة. ثانيا: موقع الجهات والجماعات الترابية: إذا كان التنصيص على عضوية رؤساء الجهات ضمن المجالس الإدارية للمراكز الجهوية للاستثمار يعتبر من أهم مستجدات المشروع، فإن تخويل رئاستهاللولاة يجعل من الجهاة مؤسسات تحت سلطة الوالي بشكل عملي، وخاصة في مجال تحفيز الاستثمار الذي أصبح من أهم الاختصاصات الذاتية للجهات بموجب مقتضيات القانون التنظيمي الحالي. فيكف يعقل أن تصبح الجهات كمؤسسات دستورية لامركزية تحت رئاسة وسلطة الولاة في مجال تحفيز وإنعاش الاستثمار، وذلك خلافا للمنظومة الدستورية والقانونية التي تؤطر مهام واختصاصات الولاة؟ وبالمقابل وسع المشروع بشكل كبير من اختصاصات اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار، ولَم يقتصر على ما هو مفترض فيها من دراسة الملفات التي يمكن أن تعرض عليها، وإنما جعلها بمثابة الجهاز التقريري الذي يحدد طريقة اشتغال المراكز نفسها والقرارات التي يمكنه اتخاذها. كما منحها المشروع عدد من الاختصاصات التي منحتها القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، وخاصة في مجال التعمير والاستثمار، وهو ما يتناقض مع التراتبية الدستورية للنصوص التشريعية ومع التوجه العام لتقوية المؤسسات اللامركزية وتعزيز مجال تدخلها. ثالثا: شروط نجاح الإصلاح: إذا كان المشروع يتضمن بشكل عام مقتضيات مهمة تتعلق بتوسيع مهام المراكز الجهوية للاستثمار وتعزيز موقعها كمؤسسات عمومية، فإن تركيبة مجالسها الإدارية، وتبعيتها المطلقة لوزارة الداخلية قد تكون سببا في نجاحها كما قد تستبطن أسباب فشلها. فرئاسة الوالي لمجالسها الإدارية، وهيمنة اللجان الجهوية على مهام وعمل المراكز قد يؤدي لإعادة التجربة السلبية للمراكز منذ 2002. لكن بالمقابل قد يؤدي هذا الأمر إلى تمكينها من قيامها بأدوارها المنتظرة منها باعتبار القوة التدبيرية والمعنوية للولاة واختصاصهم الدستوري والقانوني وسلطانهم على مختلف المرافق والإدارات العمومية النابعة للقطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية. لذا فإن الشروط الأساسية لنجاح هذا الإصلاح تبدأ من توضيح وضعية هذه المراكز وعلاقتها باللجان الجهوية الموحدة للاستثمار، وبتعزيز موقعها القانوني، وبتمكينها من الاستفادة من قوة التنسيق والإشراف على الإدارات العمومية لتنفيذ سياسة الدولة على هذا المستوى، وهذا ما يمكن أن يتأتى بمراجعة تركيبتها التنظيمية وتعزيز مواردها البشرية وتمكينها من موارد مالية كافية لممارسة مهامها المتعلقة بدعم وتحفيز وإنعاش الاستثمار.