من أي صرة. من أي صندوق مدفون تحت الأرض. من أي حفرة. من أي علية. من أي عصر. أخرجتَ هذه الكلمة يا حسن طارق. قل لي كيف وجدتها. حتى أني نسيتها. حتى أن معناها الأول المرتبط بالاقتصاد. وبسيطرة قلة من المنتجين أو الشركات على السوق. لم يعد يخطر على بالي. ونسيته. وبعد أن أدهشتني حين كنت تستعمل لغة الإخوان ومعجمهم. وتتحدث عن التحكم. كأنك واحد منهم. ها أنت تدهشني مرة ثانية وأنت تتحدث عن “كارتيلات الريع”. ياه يا حسن طارق. لقد عدت بي إلى الزمن الجميل. كأنك خارج للتو من منظمة “إلى الأمام”. كأنك جئت من حقبة بعيدة. ومن تاريخ ولى. وفي كل موسم تلبس قاموسا مختلفا. وكل اللغات لك. وكل الإيديولوجيات. وتأخذ منها. وتقطف. ما تشاء. ولا أخفيك يا صديقي أني تفاجأت وأنا أسمعها منك. ولم أكن لأستغرب. لو كتبها مثقف من أقصى اليسار. لأنه بطبعه لا يبرح الماضي. لكن ما لم أتوقعه أبدا هو أن تأتي من اتحادي. واعذرني يا حسن. فقد تحكمت فيّ ثقافة الصورة. وصرت عبدا للاستهلاك. وللتلفزيون وللمسلسلات والأفلام. وخنت كل هذه الكلمات العميقة وذات الوقع التي كنا نستعملها. والكارتيلات هذه صارت بالنسبة إلي مرتبطة بالمخدرات وبكولومبيا والمكسيك. وصرت خبيرا فيها. ومختصا. بحكم مشاهدتي لمسلسل”ناركوس”. وأعرف كارتيل ميديلين. وكارتيل كالي. كما أني قرأت في السنة الماضية رائعة الكاتب الأمريكي دون وينسلوو. والتي كان عنوانها هي الأخرى كارتيل. وفيها تعرفت على كارتيلات المخدرات في الميكسيك. ومنها كارتيل أوتشوا. وكارتيل سينالوا. وخواريز. ولافاميليا. ولما سمعتها منك وأنت تتحدث عن حملة المقاطعة وتباركها. قلت مع نفسي ماذا يقول حسن طارق. وهل هو جاد. وهل مازال بيننا من يستعمل المعنى الأول والأصلي لهذه الكلمة. قبل أن تصير مرتبطة في أذهاننا بالكوكايين والماريخوانا. ولا أخفي عنك سرا يا حسن. وأخبرك أن عيني اغرورقتا بالدموع. حين انتهى الجزء الثاني من مسلسل ناركوس. وحزنت لمقتل بابلو إيسكوبار. ولمنظر والدته. ولمحنة زوجته. وابنه. وكان قلبي وكل مشاعري مع كارتيل ميديلين. ولا اعتراض لي يا حسن طارق. فأنت أستاذ جامعي. ومناضل. ولا دخل لي في انخراطك في حملة المقاطعة. لكني أطلب منك شيئا واحدا. هو أن لا ترفع السقف عاليا. وأن تتنازل ولو قليلا. وتكف عن استعمال مثل هذه الكلمات. و تكف عن نخبويتك. فقد يسيء فهمها الشعب المقاطع. كما أننا نحن الصحفيين لا قدرة لنا على استيعابها وفهمها الفهم الصحيح. والكارتيل مرتبط في أذهاننا بالكوكا. وبإيسكوبارا. وبالدونات المشهورين. وبالأفلام. وبالمسلسلات. وحتى في نشرة الأخبار. فإنهم يخبروننا دائما بالقبض على زعيم كارتيل ما. وبهروبه من السجن. ويكون دائما زعيم عصابة لتهريب المخدرات إلى أمريكا. ولم يعد أحد يتحدث عن الكارتيلات بمعناها الأول. الذي كتبته. ونقلته عنك صحافة “النخبة”. ومن إنجازات حملة المقاطعة. ومن غرائبها وعجائبها أنها أخرجت لنا من قاع اللغة كلمات لم يعد أحد يستعملها. ثم وأنا أقلب في رأسي كلمة “كارتيلات الريع” هذه. قرأت لرفيق لك مقالا يستعمل فيه كلمة “أوليغارشيا”. وأريد أن أواكبكم. وأرغب في مقاومتكم. وفي الدفاع عن الكارتيلات والأوليغارشيا. وفي تتفيه المقاطعة وأهدافها. لكنكم تغلبونني ورغم أني في صف الأغنياء ورجال الأعمال والشركات الكبرى فإني مفلس لغويا ولا أجد كلمات ثقيلة مثل كلماتكم أرد بها عليكم وأصد قصفكم المفاهيمي كما أن معجمي فارغ وجائع وفقير ولا أستطيع مجاراتكم ولا السباحة في بحر علمكم وأسمع كارتيلات. وأسمع أوليغارشيا. فأفكر في الانسحاب. ورفع الراية البيضاء لأن أي حرب. وأي مواجهة. ضد كلمات كهذه. هي خاسرة سلفا. ومن بمقدوره الرد على شخص يكتب كلمة كارتيلات ويعني بها الشركات الثلاث من بحوزته هذا النوع من السلاح لا أحد لا أحد يا حسن طارق إلاك. وصدقني. فقد أصبتني في مقتل وقريبا سأعتذر للشعب وقريبا سأستسلم وقريبا ستنتهي اللغة في المغرب. وينتهي الكلام وقريبا سيعود الماضي إذا استمرت هذه الطبقية اللغوية وهذا الجشع في احتكار المعرفة.