لست مع الحملة ولست ضدها في نفس الوقت، المغاربة او جزء كبير منهم قرر أن يخوض حملة ضد بعض الشركات، وبدون الكثير من التفلسف والتحليل، يحق للمقاطع أن يقاطع ويحق للمساند أن يساند، وما دمنا لم نصل بعد لمرحلة الوعي التي تجعلنا نؤمن بحق المساند كما نؤمن بحق المقاطع، وننصب نفسنا كقاضي يحجر على الحقوق، فإن أي وعي ندعيه يبقى مردود علينا. ولعلي واحد من المحايدين الذين لم يتتبعوا الضجة بالشكل المطلوب رغم أن عملي يفرض علي الامر، لكن ما وصلني من هذه الحملة جعلني اتذكر الاتهامات الموجهة للزفزافي ورفاقه. لم يعد الوطن كما هو معهود، ارض لها حدود وسيادة ورموز وشعب، لم يعد الوطن محدد بعلم بلادي او كما علمونا “ارسم علمي فوق القمم أنا فنان”، لان الفنان الحقيقي هو الذي يستطيع قلب المفاهيم، وجعل خيانة الوطن بمفهوم جديد. نفس الشخص الذي كان يتحدث وقال أن المقاطعين خائنين للوطن بدعوى أن المتضررين هم المغاربة من العاملين في هذه الشركات، لا تتوانى شركته وباقي الشركات الكبرى في المغرب عن طرد العمال وتشريدهم، فقط لمصلحتها الخاصة، ولا تتوانى هذه الشركات عن حماية مصالحها الخاصة. لم يعد المشرع من يحدد معنى خيانة الوطن ويضعه في قوانين يلتزم بها الجميع، بل أصبح رجل الاقتصاد هو الذي يحدد المعاني في هذا البلد، أصبح رجل الاعمال هو القاضي والجلاد، يجلد المواطن في الاسعار، ويقضي بإلتزام المواطن الصمت رغما عنه، وإن تحدث فهو خائن. ليس خائنا بالمعنى الشائع، بل هي خيانة جديدة، يرسخها مسؤول في شركة سنطرال، والمعنى أن التوقف عن شراء هذه المنتوجات هي خيانة للوطن، ليس الوطن الذي نعيش فيه، بل ذاك الوطن الذي يعيش فيه اصحاب هذه الشركات، الشركات نفسها التي تدبر بأي طريقة ممكنة المكائد للعمال من أحل طردهم حتى لا يتم ترسيمهم، الشركات التي تحاول دائما تجميد الحد الادنى للاجور، الشركات التي تهدد المغرب بالرحيل اذا تم رفع الدعم عن بعض المواد الاستهلاكية لانها تستعملها في منتوجاتها، الشركات التي لو سمح لها لاستعملت مواد سرطانية لتربح اكثر. ان هذا الوطن الذي يتحدث عنه اصحاب الشركات لا يتسع للجميع، وما دمنا لسنا من سكانه فلا ينطبق علينا جرم الخيانة، ونحن لنا وطن واحد اسمه المغرب، ولنا جنسية واحدة هي المغربية، وهذا الوطن مقاتل دائما ليعيش ضعيفه، وخونته هم الذين يحرمون الضعيف من حق العيش في وطنه.