غطس الجميع في لغة الكؤوس ليسود صمت غريب، ليترك المجال لدخان السجائر التي يعلوا على كلام المراهقين،عقارب الساعة تشير الى الثامنةَ مساء، العجوز يستسلم لنزواته فيطلق لها العنان على حافة الطاولة الخشبية، يحملق في الجميع ويقترب من المهدي الذي يسميه حبيبيَ "الابيض". بدا عبد الله غير مباليَ لسعيد ولى لحكيم الذي علق قائلاً : "بصحتكَ اللحم الابيضَ" ضحكات هستيريةَ تعمُ المكان،ليتركَ عبد الله يده التي تشبوها تجاعيد الشيخوخةَ،تستمع في بدآً من عنق المهدي الذي لم يبدي آي ممانعة آو رفض، بل تمسكَ ببصمات جسده المهترءَ وبدآ في حرارة التقبيلَ التي لم تدم سوى لحظات، رد فعل باقي عشاقهَ لم يخلو من سخريةَ . فقد علقَ انس الحبيب لحبيبو آسيَ عبد الله " غمزٌ ولمزٌ بين سعيد وحكيمَ.فجآة، ارتمى العجوز في حضن المهديَ الذي بدأ يرى نور الحياةَ لرميَ يده الباهتة على مؤخرة المهديَ ليبدأ الجميع بالضحكَ، ينهض المهدي إلى المرحاض وسط رؤوس المنغمة َفي حديثها، بدأت الحانة تعج بروادها وبدأ رائحة البيرةَ تفوحَ من أفواه المراهقينَ، أنس والمهديَ وحكيمَ يعرفون أن أحداتهم تدور دائماً في سرية تامةَ لينطق عبد الله بعد الإجابة على آخر مكالمة هاتفيةَ لنشرب نخب سعيدَ الضيف الجديدَ، يقصد سعيد ، أغلق جميع هواتفه وضعها في جيوب معطف الأسود.
الجميع يبستم. دقائق الساعة تغيرت وسط شارع إدريس الحريزي بقلب الدارالبيضاء،وسط حانةَ مملوءةَ عن آخرهاً، وقف العجوز عبد الله وقدم لأنس وحكيمَ ورقة من فئة 200 درهمَ بدم باردَ، ويودعهم تحت حرارة التقبيلَ والعناق على أمل اللقاء بهم بعد الاتصال بهمَ.
نحوى المجهولَ ... لا آحد ينتبه، لهذه لطقوس جلسة العجوز رفقة عشاقهَ كما يحلو آن يناديهمَ،النادل يلعب دورهُِ يفتح زجاجة النبيذ، ويغادر دون آي تعليقَ،ليفصح الرجل عن رغبته في المغادرة الحانة رفقة سعيد والمهدي الذي أبدى رغبة قوية في مرافقة عاشقهَ. دفع عبد الله ثمن المشروباتَ وضم المهدي اليه، وغادر الحانةَ في اتجاه سيارته المركونة وراء سينما الريف قرب خلف شارع باريسَ.
كانت خطواته يسير في تأنيَ دون أن يصدر أي كلمةَ،يعض علبة سجائره على المهدي الذي لا يتوقف على التدخين. وصلنا إلى السيارة بيضاء مكتوب عليها عبارة "النقل السياحيَ "هناك صعد المهديَ الى المقاعد الخلفيةَ، ليغلق باب السيارة في هدوء،أشعل العجوز ضوء خافت وأطلق العنان للمكيف الهوائيَ وأطلق موسيقى صامتة. معزوفات الكمان تخرج من صمت السيارة وسط دخان السجائرَ ، ليستسلم الجميع للصمت المجهول، أيمكن أن تحسب أن الشيخ رومانسيَ في جلساتهَ؟ أم انه يستعمل هذه الموسيقىَ حتى مع زبائنه القاصرونَ ؟ دقائق مرت بسرعةَ،ليطلق الشيخَ العنان لأوامره : أغلق نوافذ السيارةَ يا المهديَ ،بدا هذا الأخير متفانيَ في إغلاقَ سترة النوافذ الزجاجيةَ الخلفية، وطمأن سعيد الذي يجلس في المقعد الاماميَ، ليقفز إلى المقاعد الخلفيةَ بسرعةَ وهو يحملق أمامهُ مقود سيارتهَ، ليترك الكرسيَ الأمامي فارغاً،نزع العجوز معطفه ورمى "بيريتهُ "السوداء"
نهاية المساء بقلب هذه السيارة البيضاءَ المختصة في نقل السياحَ لكن سعيد ليس سائحاً عادياَ ، العجوز آطلق العنان لوحشيته وشدودهَ وآغرق لحيته وشاربهِ في جسد فتيَ لا يناهز عمرهُ 16سنةَ،لحظة صمت قاتلة يصفها سعيد الذي كان يلتقط بداية فصول هذا المشهد، عبد الله آسقط سرواله
وبدآ ينهار بالسب على سعيدَ : "آنت يا الحمار شوف شكون جايَ، ليشهر جنونه في قبيل أذني المهديَ وجسده الفتيَ المشاغب ولحظة يسأله في هدوء غامضَ هل نحن فعلاَ "قحاب"؟ تحت دفئ الاستسلام لنزواتهَ يجيبه :نعم حنا قحاب، لحظة بلحظة سيسلم الرجل ويترك باقي ملابسه في حضنَ المهديَ .... فجآة حينما كان سعيد يلتقط آخر سيناريو وحشية العجوز،بدآ المهدي يسبُ ويلعنُ في الشيخ: لا أريد كفى كفى ...سرق عبد الله النظر في سعيد لينهال عليه بالضرب والصفع ... "سكت لجد بوكَ ..." استسلم المهدي لامره ليحاول الشيخ التجسس خلف النافدة الزجاجية، لمعرفة صوت محركَ سيارة الغريبة وهي تحاول التوقفَ سعيد يحاول معرفة نوعية سيارة،التي كانت حسب قوله :مرسديس 250 يحاول التوقف خلفهم مباشرة.توقف المشهد،الكل يتابع خروج الشيخ من سيادته ذو البدلة السوداء َ.ليعود العجوز الى مكانه الخلفيَ،ليوقف كل شيء ويرتدي ملابسهٌ وبدأ يشتم ويسبٌ ويسأل من يكون ..؟
ليتقدم إلى المقعد الخلفيَ وهو يحاول أن أن يرتدي نظاراته البصريةَ، ووضع آخر لمساته على معطفهَ،يصمت الجميع َويتجه المهدي الى نحوى سترة الزجاج الخلفيَ للسيارة ليلتقط نظرات البحث عن هذا الفضولي الذي خلق الهلع والخوف في قلب عبد الله وأضاع عليه لحظة حميمة فجأة خرج رجل في مطلع الخمسينات ما هو إلا صديق عبد الله يسأله كيف كانت بضاعة اليوم تحت ضحكات عاليةَ... ليجيبه باضطرابَ: سنتحدث لاحقاَ ..
صمت رهيبَ،لا كلامَ فقط المهدي يطالب بوضعه عند أول ممر، العاشرة مساء ليودع المهدي العجوز بالسب والشتمَ .. وأدار مقود السيارة نحوى المعاريفَ قلب العاصمة الاقتصاديةَ في قلب شارع المسيرة الخضراء وودع سعيد بعد ورقة من فئة 200 درهمَ.