هل شاهدتَ "البروفيسور"؟ هل تفرجت في المسلسل الإسباني "لا كاسا دي بابل"؟ نعم. نعم. أنا أيضا تفرجت فيه. وأنا أيضا وقع لي ما وقع لكم. وانبهرت بقدرة إسبانيا على إنتاج عمل يتابعه الجمهور الكبير في كل أنحاء العالم. وفيه كل مقومات الصناعة الأمريكية. إضافة إلى هذه اللمسة الأوربية الخاصة. التي ميزته. و من سوء حظنا أحيانا هو ارتباطنا الثقافي بفرنسا. فرنسا هذه التي تعاني من حبسة مزمنة في هذا النوع من المسلسلات. ومن السينما. ولم نعلم بالبروفيسور. حتى جاءنا من أمريكا. ومن نيتفليكس بالتحديد. وانتظرنا حتى قطع هذه المسافة. وسافر. قبل أن يعود إلينا ونستقبله بكل هذه الحفاوة. والحال أن إسبانيا قريبة جدا منا. وقد عرض المسلسل لأول مرة في قناة "أنتينا 3". وكان على مرمى حجر. ولم ننتبه إليه. ولم تنتبه إليه فرنسا. ولا أوربا. حتى نال التأشيرة الأمريكية. وهو الآن متوفر بثلاثة عنوانين. الأول أمريكي. والثاني إسباني وهو la casa del papel. والثالث في الغالب عربي وهو البروفيسور. وكم كان العنوان الذي اختاره "المترجمون" العرب موفقا. هؤلاء المتطوعون الافتراضيون المهووسون بالقرصنة. والذين يقدمون خدمات جليلة للعرب. كما لم يقدمها لهم أي نظام. فالبروفيسور هو الذي خطط لعملية السطو على "دار السكة" الإسبانية. وهو الشخصية المعقدة والمثيرة في هذا المسلسل. وهو الحكيم. وهو الفيلسوف. وهو المثقف. وهو المجرم الشريف. وهو البطل. وهو الذي قرر أن يسرق "أموالا ليست لأحد". ودون أن يريق قطرة دم واحدة. وقد تستنج من شخصيته مثالية يسارية. وانتماء أنارشيا. ونزعة مقاومة. وإرهابا "حالما ونظيفا". حتى أنك. ورغما عنك. تتضامن مع السارق. وتنتقم معه من السلطة. ومن القوانين. ومن الدولة. وتتأسف للأخطاء التي ارتكبتها العناصر التي اعتمد عليها. وعدم احترامهم للقواعد. والمبادىء التي لقنها لهم. خلال خمسة أشهر من التكوين المستمر. وتغني معه ومع برلين تلك الأغنية الشهيرة. بيللا تشاو. بيلا تشاو. بيللا تشاو. وتبحث عنها في اليوتوب. فتأخذك الحماسة الثورية. وترددها مع مقاومي الفاشيست. ومع الشيوعيين. ومع الناس البسطاء في حقول الأرز. بيللا تشاو. بيللا تشاو. بيللا تشاو. وفي أكثر من فرد من العصابة يوجد خير كامن في الشر. وفي نيروبي. وفي دينفر. وفي طوكيو. وحتى في أوسلو وهلسنكي. وفي الأب وابنه. وقد ينفرك سلوك برلين البسيكوبات. لكن أداءه مبهر. ويجعلك تحب شره. ومرضه. والكل يسأل اليوم: هل شاهدت البروفيسور؟ نعم. نعم. شاهدته. وتمتعت. وعشت أسبوعا مع البروفيسور. ومع أفراد عصابته. الذين يحمل كل واحد منهم اسم مدينة. حتى الحلقة الأخيرة من الجزء الأول. قبل أن أكتشف أن البعض يزايد علي. ويفتخر أنه تفرج في الجزء الثاني. ويقول إنه أفضل. وأقوى قبل عرضه في نيتفليكس. وبدافع اللحاق بهم. وبهذا الهوس المسلسلاتي الذي أصابني. حاولت أن أبحث عنه أنا الآخر. بسوتيتراج عربي. ومع أول نقرة هاجمتني كل فيروسات الدنيا. وتعطل هاتفي. وحاسوبي. فاكتفيت بما رأيت. ولم أجرب مرة أخرى. وكي لا أفقد الأمل. ولأطيب خاطري. قعدت أدندن: بيللا تشاو. بيلا تشاو. ثم رفعت شارة النصر للبروفيسور. وتعجبت من هذه الأجيال الجديدة. التي لا طاقة لها على الصبر. ولا على الانتظار. وقبل عرض الجزء الثاني من البروفيسور في نيتفليكس ذهبوا إلى القناة الثالثة الإسبانية وقرصنوه. غير آبهين بالفيروسات. ولا بالسوتيتراج العربي. الذي يحكي أحيانا عن مسلسل آخر. وليس الذي أنت تشاهده. كما أنهم تخلصوا من عقدة فرنسا. ومن دبلجتها. ومن تأخرها. ومن اعتمادنا عليها في كل شيء، وفي السينما. وفي الكتب. وفي النلفزيون. فصاروا يسبقونني في كل شيء وصار صديقي جواد الأنصاري أكبر خبير في هذا المجال وفي عالم السوتيتراج وقد صادفته في الفيسبوك يغني كالمجنون: bella ciao bella ciao وحدست أنه وقع هو الآخر في أسر"البروفيسور". وأن فيه شيوعيا إيطاليا كامنا ولا يفصح عنه. وقد أخرجه منه هذا المسلسل. الذي لا حديث هذه الأيام إلا عنه.