علق رفيقي في الرحلة الى الحسيمة أننا في الطريق إلى كابول، هي نظرة مسبقة رسختها طيلة الاسابيع الماضية مقاطع الفيديو وصور الاحتجاجات، لم أعلق على كلامه وبعد أربع وعشرين ساعة قضيناها في المدينة طرحت عليه سؤالا:" هل لا زلت معتقدا أنك توجهت فعلا لكابول؟"، لم يجب وإكتفى بهز رأسه بالنفي. بيا الحزينة الحسيمة او بيا كما يطلق عليها أهلها، الدخول إليها هذه المرة كان مغايرا عن المرات السابقة، ولأول مرة أجد رادارات مراقبة السرعة بشكل مبالغ فيه على طول الطريق الساحلي وحتى مدخل المدينة الذي كان قد ألغي طيلة السنة الماضية. حوالي الساعة السادسة مساء من يوم أمس الاثنين كانت المدينة شبه فارغة إلا من أبناءها، وفي مثل هذه الفترة من الصيف ما كنت لتجد مقعدا فارغا في مقهى أو مطعم، لكن هذا الصيف له شأن آخر، فالمقاهي والمطاعم فارغة على عروشها، أما الفنادق فالحجز فيها تراجع بشكل كبير اضافة إلى أن الشقق المفروشة خاوية بشكل تام. في كل المدن المغربية تعتبر هذه فترة أفراح وأعراس أما في الحسيمة فإن حفلات الاعراس تعرف إما التأجيل أو نقلها لمدن أخرى، أحد نشطاء الحراك كان قد أكد لي ليلة أمس أن ممون حفلات واحد ألغي له واحد وعشرين عرسا كانت مبرمجة هذا الصيف!. امزورن الحاملة لشعلة الحراك حين كنا نصل بالامس للحسيمة كانت المواجهات بين الامن والمحتجين قد انطلقت في امزورن، وأظهرت مقاطع الفيديو التدخل الامني في الوقت الذي تراجعت فيه السلطات الامنية نسبيا بالحسيمة، وأنهت احتلال ساحة محمد السادس وسط المدينة وحملت مركباتها الى الازقة الخلفية. اليوم صباحا كانت شوارع وازقة امزورن صامتة، نادل في احدى المقاهي سألناه عن الحركة الاقتصادية فأجاب أنها عموما أقل من المعتاد لكن التجارة في امزورن عكس الحسيمة لا استند الى الرواج الصيفي. ذات النادل أكد أن التدخلات الامنية اوصلت الامر الى الباب المسدود، مؤكدا أنه من الصعب ان تعود الامور الى هدوءها في البلدة، قبل أن يشير الى بلدة تماسينت قائلا ان شباب هذه البلدة كأبناء امزورن والحسيمة لا يزالون صامدون رغم الحصار الامني الذي يضرب دائما على مسيراتهم الاحتجاجية. تماسينت أو جدة حراكات الريف هذه البلدة التي تقع في اطراف الريف والتي لم تستفد من الكهرباء سوى سنوات خلت، لا زال ابناؤها يذكرون حراكهم القوي عقب زلزال الحسيمة سنة 2004، والذي قاده المعتصم وجعل الدولة تنزل بكل ثقلها الامني لايقاف زحف اول حراك في العهد الجديد، ولم تفشل الدولة في هذا الملف واستطاعت ان تنهيه ليكون بذلك جد الحراكات التي تلته. في تماسينت جالست في احدى المقاهي ثلاث شيوخ تتراوح اعمارهم بين الستين والسبعين، لكن همتهم وشغفهم بالحراك جعلهم يبدون في نظري اصغر من شباب العشرينات، حين انطلقت المسيرة التي ستقطع حوالي العشرين كيلومترا بين الجبال وجدتهم جاهزين وتلك كانت مفاجئتي، أصغر المحتجين كان لا يتجاوز الخمس سنوات وأكبرهم قد شارف على السبعين، إنها فعلا البلدة التي سيولد منها اي حراك قادم، وهي مرضعة الحركات الاحتجاجية. النظرة الخاطئة المتتبع لما يروج له في الانترنت سيعتقد أن المدينة تشبه قندهار او كابول، لكن الواقع امر اخر تماما، الاحتجاجات عادية ولا تؤثر على السير العام للحياة كما يعتقد البعض الذي قد يكون الغى عطلته في المدينة، لكن في عمق كل حسيمي يتربى كائن غاضب على ما يقع الان، هذا الكائن يتعاظم في نفسيته وإذا استمر الحال على هذا المنوال لا أحد يدري كيف سيكون شكل هذا الكائن حين يولد قيصريا.