يعي الكل أن العلاقات المغربية الموريتانية تشهد في الفترة الماضية توترا ملحوظا اكتسى طابع "دقة فيا دقة فيك"، وارتفع منسوبه بشكل ملحوظ إثر التقارب الجلي بين موريتانياوالجزائر أولا، ثم مع البوليساريو ثانيا، وتوج بتوقيع اتفاقيات اقتصادية في ظرف وجيز كمكافأة من الجزائر لها على الموقف الجديد من ملف الصحراء، والذي تجاوز مرحلة الحياد السلبي نحو مرحلة جديدة تؤسس للميل لرؤية وتصور البوليساريو. يتسائل الكثيرون من متتبعي ملف العلاقات المغربية حول هذا التحول المفاجئ في الموقف الموريتاني من ملف الصحراء، إذ يراه البعض تجسيدا من الرئيس محمد ولد عبد العزيز لسياسة جديدة يرام منها اقتحام المشهد المغاربي وفرض اسم موريتانيا كلاعب أساسي بالمنطقة، نتيجة لمجموعة من التراكمات في علاقاتها مع المغرب، والتي جعلت موريتانيا ذات أدوار ثانوية بالمنطقة منذ حقبة الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدأحمد الطايع إلى غاية سنة 2015 مابعد تبادل حالة النفور وطرد البعثات الدبلوماسية مع الجزائر في عهد محمد ولد عبد العزيز. ولعل أكثر تلك التراكمات تأثيرا إلى جانب استقبال المعارض بوعماتو وتوشيحه والإتهام غيرالمباشر بمحاولة اغتيال الرئيس الموريتاني فيما بات يعرف برصاصة "اطويلة"، رفض المغرب لاستقبال وزير الخارجية الموريتاني قصد استلام دعوة المشاركة بالقمة الإفريقية المنعقدة بالعاصمة الموريتانية انواكشوط، بحيث اعتبرتها موريتانيا النقطة التي أفاضت الكأس، ويمضي عزيز بعدها في بلورة سلسلة من المواقف المعادية للمغرب جعل من خلالها البوليساريو والموقف من ملف الصحراء مطية لفرض اسم موريتانيا بشمال المغرب العربي كحليف ذو دور مؤثر، لا كتابع ينظر له بدونية من لدن المملكة المغربية. لقد نجح ولد عبد العزيز في إلزام المغرب بإعادة النظر في علاقاته مع موريتانيا لأنه الخيار الأفضل للطرفين في أفق مناقشة طلب العودة للإتحاد الإفريقي يناير المقبل، وما أدل على ذلك سوى ضرب وزارة الشؤون الخارجية للأعراف والديموقراطية عرض الحائط، إثر بيانها المندد بخرجة حميد شباط الأمين العام لحزب الإستقلال وتصريحاته التي جاءت في سياق زمني خاطئ، ساهم بالملموس في مسايرة منطق أعداء الوحدة الترابية للمملكة على حد تعبير البيان. إن المتأمل ليدرك أن بيان وزارة الخارجية المغربية ليؤرخ لمرحلة جديدة في العلاقات آن الأوان لها أن تأخذ شكل "الشراكة الإستراتيجية" حسب ذات البيان بدل شكل التابع، وذلكم خير لهم ولنا.