تراجعت نسبة مشاهدة القناة الأولى المغربية (إتم) إلى ما دون 10 في المائة في أوقات الدروة في رمضان الماضي. أما باقي قنوات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة فنسب مشاهدتهم لا تكاد تذكر في هذا الشهر وفي جميع الأحوال فهي تتراوح ما بين 1 و3 بالمئة .. فيما في بقية أيام السنة الوضع كارثي بالنسبة لقنوات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة ولا تنقذه أحيانا لا بعض اللحظات الاستثنائية كمباريات كرة القدم أو بعض البرامج مثل للا العروسة.
النشرات الإخبارية بالقناة الأولى المكلفة بالدرجة الأولى بتغطية أخبار وتنقلات جلالة الملك، وضعت الإدارة رهن تصرف العاملين من صحافيين وتقنيين المرافقين للملك إمكانيات مهمة من أجل أداء عملهم في ظروف مريحة مقارنة بباقي الصحافيين والتقنيين.
النشرة الأولى في القناة الرسمية تراجعت نسبة متابعتها هي أيضا سواء في رمضان أو في باقي أشهر السنة، ماعدا قناة محمد السادس الموضوعاتية المتخصصة في تقديم البرامج الدينية طبقا للخط التحريري الصارم الذي تحدده وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وتسجل نسبة لابأس بها بحكم توجهها الديني ..
مستوى ‘إنتاج الأخبار تراجع مهنيا حتى عن المستويات التي كانت تسجل قبل 2012 وهنا يمكن الحديث عن المستوى المهني للصحافيين ومدى خضوعهم للتكوين والتكوين المستمر، بالإضافة إلى التركيبة الإدارية لمديريات الأخبار التي تخضع بالدرجة الأولى للتعليمات وتتحفظ عن أي اجتهاد أو محاولة لتجديد الخطاب الاخباري مهما كانت بسيطة.
هذا الوضع الكارثي تطور سلبيا بالتدريج، خلال السنوات الماضية. ففي سنة 2011 مثلا كانت نسبة متابعة الأولى في رمضان تتراوح ما بين 35 و40 في المائة، ثم بدأت بالتراجع تدريجيا أمام الاكتساح الكبير والهيمنة المطلقة للقناة الثانية التي وصلت نسبة مشاهدتها في رمضان في أوقات الدورة إلى أكثر من 60 في المائة. وتتراجع في بقية الأشهر إلى ما دون أربعين بالمائة. ولا تتجاوز نسبة متابعة القناتين معا، خارج شهر رمضان، 45 في المائة داخل المغرب. ويرجع السبب في استفحال هذا الوضع الكارثي، إلى التدبير المهني السيء. فقنوات هذه الشركة تتوفر على كفاءات مهنية صحافية وتقنية وإدارية رغم قلتها، بسبب مغادرة الكثير من الأطر ذات الخبرة الكبيرة بعد المغادرة الطوعية لسنوات 2005 و2012 و2013 والإحالة على التقاعد الكلي للعديد من الاطر الآخري بدون أن يجري تعويض هذه الكفاءات بأطر بديلة.
يضاف أيضا هيمنة العقلية البيروقراطية التقنية والإدارية على مجال التسيير مما أدى الى تراجع الإبداع والابتكار والاجتهاد. وتحول التسيير داخل المؤسسة الى معضلة بيروقراطية فجميع القرارات مهما كانت بسيطة يتم الرجوع فيها الى الرئيس المدير العام في غياب نظام اداري بحدد بدقة مسؤوليات المديرين.
تهميش الانتاج الداخلي وتراجعه أمام اكتساح الشركات الخاصة للإنتاج السمعي البصري ويعيش قطاع الانتاج الداخلي أزمة مستفحلة منذ سنوات فقد حدد دفتر التحملات في جميع القنوات نسبة تزيد عن 60 في المائة من مجمل خريطة البرمجة في ظل غياب الاطر الكفأة والامكانيات التقنية والمالية الكفيلة بتحقيق هذه النسبة على أرض الواقع وتعتمد القناة الاولى بالخصوص للوصول الى هذه النسبة على الإعادات وإعادة الإعادات لبرامج تم إنتاجها مند عشرات السنين مما حولها الى قناة تكاد أن تكون متخصصة في بث الارشيف السمعي البصري.
تراجع الإنتاج الفني والموسيقي بعد اغتيال الأغنية العصرية المغربية وتراجعها الكبير من المسرح الفني ببلادنا وعدم تجديد أفراد الجوق الوطني التابع للشركة الذي يبلغ حاليا عدد افراده بضعة أشخاص اغلبهم في سن التقاعد. إنها محاولة إعدام لهذا الجوق الذي مر على تأسيسه أكثر من خمسين سنة ساهم خلالها في خلق حركة فنية وموسيقية لازالت آثارها بادية في حقل الموسيقى والابداع، مع العلم بان كبريات الإذاعات العامة بأروبا تتوفر على أجواق ومجموعات اركيسترالية ضخمة، بل إن بعض الإدارات العسكرية بالمغرب تتوفر على أجواق ومجموعات موسيقية كبرى كالدرك الملكي، والقوات الجوية، والأمن الوطني، أهم بكثير مما يتوفر عليه الجوق الوطني.
في حين تنتعش الأغنية المغربية العصرية مثلا بوجوه شابة وموسيقيين شباب خارج المغرب في كندا وفرنسا وإسرائيل، رغم الدعم الذي تقدمه وزارة الثقافة لتشجيع الأغنية العصرية الذي تحول بدوره إلى مصدر ريع يستفيد منه المقربون في غياب إنتاج فني راق ومتميز.
تطبيق دفاتر التحملات الخاصة بالإنتاج بالشركة دخل حيّز التطبيق في نهاية سنة 2012 مما أدى الى فتح الباب رسميا امام الهيمنة المطلقة لشركات الانتاج الخارجية واحتكار حوالي عشر شركات كبرى للإنتاج الرمضاني وغيره وأغلبها يقف من ورائها أشخاص نافذين .في إطار الزبونية والمحسوبية وباك صاحبي في توزيع كعكة الانتاج ، وتقوم الشركة عمليا بتنظيم طلبات العروض المخصصة لإنتاج البرامج مرتين في السنة وأغلبها مخصصة لبرامج رمضان بالدرجة الاولى ولقد تتبعنا جميعا طيلة السنوات الاخيرة ردود افعال الرأي العام المغربي السلبية نتيجة المستوى الرديء لأغلب الإنتاجات التلفزية سواء بالأولى او الثانية او القناة الامازيغية رغم المبالغ الضخمة التي استفادت منها هذه الشركات التي لا تلبي شروط توفر الجودة في الانتاج والدليل على تدني ورداءة الانتاج هو تدني نسبة متابعة القناة الاولى مثلا من حوالي40 /35 في المائة سنة 2011 الى اقل من 10 في المائة هذه السنة في مقابل ارتفاع ميزانية الشركات المحظوظة سنويا بموازاة مع هذا التدني في نسبة المتابعة ..مع الإشارة الى ان الشركات المنتجة لا تخضع لأية مراقبة او محاسبة مهنية لمستوى الجودة بعد توقيع عقود الانتاج وهذا ما شجع هذه الشركات على تقديم اعمال "كور وأعط لعور" اعمال لم تترك اَي اثر إيجابي لدى مشاهديها.
ومن أسباب انهيار مستوى هذه القنوات خلود المسؤولين عن التسيير الاداري والمهني في مناصبهم لأزيد من 15 سنة توارثوا فيها وظائفهم مع ارتفاع تكاليف اجورهم وتعويضاتهم الى ارقام فلكية لانعكس بالضرورة مردوديتهم المهنية مع تعدد المديرين وعدم وجود نظام لتحديد اختصاصاتهم نشأت صراعات ونزاعات بينهم بلغت لمستوى تصفية الحسابات بينهم.
وفي إطار التسيب تحول مسؤولون سابقون في ادارات موازية كوكالة المغرب العربي للأنباء الى منتجين للبرامج السمعية البصرية وحصولهم على حق تنفيذ انتاج برامج لصالح قنوات في سرعة قياسية رغم أن لا علاقة لهم بميدان الانتاج السمعي البصري بالمرة. كما يتحدث مهنيو قطاع الانتاج السمعي البصري هنا بالدار البيضاء عن احتمال وجود تواطؤ بعض المديرين والمسؤولين مع بعض اصحاب الشركات، ومن الأسباب الكبرى أيضا لهذه الوضعية: الصفة القانونية التي تشبه اليوم امبراطورية إعلامية كبرى تتكون من إدارات تقنية لا علاقة لها بالإعلام المهني كمديرية البث الرقمي والفضائي اتي توجد نظيرة لها تقوم بنفس المهام وهو أمر غير مقبول أن تكون في البلاد إدارتين تقنيتين تقومان بنفس المهام وتابعتين للقطب العمومي .. بالإضافة إلى عشوائية تنظيم قطاع الانتاج الموقع حاليا بين عدة مديريات ولجان متعددة وبيروقراطية عقيمة.
عدد المديرين يفوق 32 مديرا حسب مصادر "كود". و هو رقم لا يوجد في أكبر قنوات الولاياتالمتحدة وبريطانيا العظمى وفرنسا والبرازيل وإسبانيا والهند.. الرقم الذي حققنا به سبقا عالميا لا يمكن أن يفسر سوى بكونه توزيع ريع واقتسام وزيعة قبل ان يكون ترشيدا للنفقات وحكامة جيدة ورغبة في تطوير الصحافة التلفزيونية وخدمة عمومية في مرفق عمومي.
ومن الأسباب الرئيسيّة ايضا الوضعية الغير القانونية التي توجد فيها الشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة في علاقتها بالحكومة في تعارض تام مع قانون الاتصال السمعي البصري ..ومن المفارقات ان دفاتر التحملات التي أعدها الخلفي في سنة 2012 انتهت صلاحيتها -رغم انها لم تطبق الا جزئيا – في أكتوبر 2015 ولم يتم تجديدها ولا تمديد العمل بها مع التذكير الى أنها لم تطبق لعدم وجود عقد برنامج مالي يسمح بتطبيقها نظرا لان الحكومة رفضت توقيع العقد البرنامج في سنة 2012 ورفضت التمويل عبر العقد البرنامج لأسباب ادارية وسياسية ومهنية وهو الامر الذي أوصل الشركة الوطنية الى الوضع الحالي ماليا وإداريا ومهنيا وهو وضع اقرب للإفلاس. متى سيتم إعلان إفلاس الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون..