القرار المعلن جاء بعد معاناة ومعاينات.. لقد عانيت كثيرا من مستوى الأداء البرلماني، إذ لا أفهم لماذا يتنافس المتنافسون على المقعد البرلماني، وبعد إعلان فوزهم يتخلى العديدون عن أداء واجبهم منذ اللحظة الأولى، فمنهم من لا تطأ أقدامهم البرلمان إلا مرة في السنة ومع ذلك تجد رئاسة المجلس لا تطبق في حقهم مقتضيات النظام الداخلي ولو في الجوانب الرمزية، كما لو أن هناك تواطؤا غير معلن على الرداءة وعدم تحمل المسؤولية، وعاينت كيف أن الرئاسة لا تتحلى بأدنى مستويات الشجاعة لإعطاء المؤسسة البرلمانية المصداقية التي تستحقها، إذ إنها تعيش على انتظار الإشارات للقيام بأي حركة ذات بال، وحينما تصلها التعليمات فهي مستعدة لفعل أي شيء.. تذكروا أنني صرحت في إحدى المرات بأن البرلمان يعاني من التضييق والتهميش، فكان الجزاء إصدار بيان إدانة في حقي من قبل مكتب مجلس النواب، ثم بعده بيان من مكتب مجلس المستشارين. -
لماذا في نظرك؟ لأنه كانت هناك تعليمات لإدانة النائب المصطفى الرميد ولو على حساب الحقيقة، وهنا أتساءل اليوم كما تساءلت بالأمس: هل من حق مكتبي مجلسي النواب والمستشارين إصدار بيانات ضد نائب بسبب تعبيره عن رأيه؟ إن الجواب البديهي هو لا ومع ذلك فقد فعلوها، إنه مجرد مثال من أمثلة متعددة لواقع الخضوع والاستسلام للسلطة مقابل واقع الضجيج والصياح ضد كل النواب من أصحاب الآراء الحرة، وهذا ما وقع قبل ذلك مع الأخ عبد العزيز أفتاتي ومع فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب بعد احتجاجه على الاعتقال الظالم لجامع المعتصم، بسبب تدخل المتنفذين في القضاء وهو ما أدى إلى إطلاق سراحه في الظروف المعروفة بعد ذلك.
لقد عانيت أيضا، كما عانى أعضاء فريق العدالة والتنمية، من عدم تحلي الحكومات المتعاقبة في كثير من الأحيان بأدنى مستويات الموضوعية، حيث لا يكاد جهد الفريق يجد الصدى الملائم لديها، كما أن حجم الفساد والتعسف يتزايد دون أن يجد البرلماني الأدوات الرقابية والتشريعية الملائمة لمحاصرته وإيقافه إلا قليلا، بل إنه حتى بالنسبة إلى مؤسسات أخرى غير المؤسسة الحكومية تواجه المؤسسة البرلمانية عقليات لا تنتمي بأي وجه من الأوجه إلى زمن ما بعد الدستور الجديد، وعلى سبيل المثال فقد قررت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، التي لي شرف رئاستها، القيام بمهمة استطلاعية للوقوف على المنهجية المتبعة من قبل المجلس الأعلى للحسابات ومستوى ما وصل إليه تنظيمه لممارسة واجب الرقابة للذمم المالية لكافة المصرحين في إطار قانون التصريح بالممتلكات، وقد وافق مكتب مجلس النواب على ذلك وتمت مراسلة رئيس المجلس الأعلى للحسابات، طبق المسطرة القانونية، وأجرينا عدة اتصالات ولكن سيادة الرئيس لم يتفضل بأي جواب ولم يعقب بأي رد، ولم يقترح أي وقت، مما يعني أنه يرفض أن يقوم مجلس النواب بمراقبة شكلية لبعض صلاحياته التي لا علاقة لها بمهامه القضائية.
إن هذا مثال على مستوى التحجر المؤسساتي الذي تعاني منه البلاد والذي لا يمكن التخلص منه إلا برجة ليس بإمكاني إحداثها، وأنتم بلا شك تعرفون من يستطيعها، كل ذلك وغيره جعلني أحس بأنني بعد حوالي 15 سنة قمت بحماس كبير بما ينبغي أن أقوم به ولم أدخر جهدا في خدمة المواطنين، وقد آن لي أن أستريح معولا على إخواني الآخرين في الفريق المقبل لحزب العدالة والتنمية للقيام بما كنت أقوم به وبما هو أحسن... إنني باختصار لم أعد أجد الحماس اللازم للعمل من داخل البرلمان، وسأظل مرابطا في مواقع الدعم لإخواني البرلمانيين بما يمكنني أن أقدمه وأخدم به مشروعنا المشترك، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فقد عاينت أن مجموعة من الأخلاقيات الغريبة عن قيم التضحية والنضال المطلوب بدأت تتسرب إلى صفوفنا في العدالة والتنمية، ونظرا لمسؤوليتي القيادية فقد رأيت أن أساهم وأرجو أن يساهم إخوة قياديون آخرون بمثل ذلك، أو بما هو أجدى في توجيه رسالة رمزية واضحة إلى كافة مناضلي الحزب وإثبات أنه لا تلازم بين الانتماء إلى الحزب والصعود إلى البرلمان وغيره من المسؤوليات، وأن مشروع العدالة والتنمية، كما يقتضي النضال من داخل البرلمان من طرف من هم أهل لذلك، يقتضي النضال من المواقع الأخرى التي قد تتطلب الكثير من التضحية دون مردودية مادية تذكر. -
هناك من يقول إن هذا القرار اتخذ على خلفية النقاش الذي عرفه المجلس الوطني الأخير حول عدم ترشح النواب السابقين؟ أولا: ليست هذه المرة الأولى التي يثار فيها هذا الموضوع داخل المجلس الوطني للحزب، بل لقد سبق أن أثير قبل ذلك وطرح للتصويت، حيث صوتت الأغلبية لفائدة الرأي الذي يقول إنه لا مجال لحصر الترشيح في حدود ولايتين أو ثلاث، وقد دافعت عن هذا الرأي ومازلت أتبناه من منطلق أن النائب البرلماني الناجح لا يمكن أن يكون كذلك إلا بشروط. وبقدر ما يراكم من تجارب عبر الولايات التشريعية، بقدر ما يستوعب أكثر الدروب المتشعبة للسياسيات العمومية، فضلا عن تقنيات العمل البرلماني، لذلك أؤكد أن العمل البرلماني الفعال يتطلب وجود نواب يمثلون نواة الفريق، لهم أقدمية معتبرة وكفاءة محترمة لقيادته، شريطة أن يتوفر فيهم أيضا الحماس اللازم. *ثانيا: إن موقفي الأخير سبق لي أن أعلنت عنه قبل انعقاد المجلس الوطني، وأؤكد أنني حين أعلنت في السنة الماضية عن استقالتي ثم تراجعت عنها، تحت ضغط قيادة الحزب، إنما كان ذلك تراجعا مؤقتا لأنني منذئذ عزمت على عدم الترشح مرة أخرى. -
كيف تعلن عن ذلك مع أنكم لا ترشحون أنفسكم وإنما يرشحكم غيركم داخل الحزب؟ أنا متفق معك على أن العضو في العدالة والتنمية لا يرشح نفسه وإنما هناك مراحل ثلاث يتحدد فيها المرشحون، وهي مرحلة الاقتراع ثم الترشيح فالمصادقة، حيث تشترك القاعدة والقيادة في تحديد لائحة المرشحين، وحين أقول إنني عازم على عدم الترشح فإني أستحضر حالة ترشيحي من قبل الهيئات المختصة، وهو أمر مؤكد لعدة اعتبارات لا مجال لذكرها هنا، ولذلك فإني سأبعث في هذه الحالة بحول الله رسالة اعتذار وأرجو أن يتفهم إخواني في الحزب ذلك، إذ لا إكراه في السياسة كما أنه لا إكراه في الانتساب إلى البرلمان، قياسا على أنه لا إكراه في الدين مع وجود الفارق. وأذكر في هذا الصدد أنني لست الوحيد ولا الأول، فقد سبق لقيادة الحزب أن اقترحت على الأستاذ أبو بكر الهادي أبو القاسم الترشح باسم الحزب سنتي 2002 -2007، إلا أنه اعتذر معلنا أنه يفضل أن يناضل خارج الإطار البرلماني وقد احترمنا إرادته، ولذلك أعلن بدوري عن استمراري في النضال ولكن خارج البرلمان. -
إذن قرارك مرتبط بتعقيدات المشهد السياسي؟ قراري مرتبط بجمود المشهد السياسي وبرودته، انظر كيف أنه في خضم الربيع العربي صادق المغاربة على دستور جديد في ظروف طبعتها عدة تجاوزات تسربت في البداية على استحياء، لكننا الآن يمكن أن نقول إن السلطة لم تكن في حاجة إلى الممارسات القديمة للدفاع عن دستور 2011، ثم انظر كيف أنه بعد إعلان المصادقة على الدستور الجديد توالت الإشارات السلبية التي لا يمكن إلا أن تجعلنا نقتنع بأن عملية الإصلاح مرتبكة ومترددة. -
ما هي أمثلتك على ذلك؟ لقد كنا ننتظر العفو عن السجناء السياسيين سواء في قضايا الإرهاب أو غيرها، ممن لم تلطخ أياديهم بدماء، وعلى رأسهم الكتاني وأبو حفص وغيرهم، فإذا بمعتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية يواجهون مرحلة من أصعب مراحل معاناتهم في السجون، مع اعترافي بأن مجموعة منهم ارتكبت حماقات بسجن سلا، لكن كان هناك عقاب وانتقام جماعي تجاوزهم إلى كافة السجناء من أمثالهم في باقي السجون. لقد كنا ننتظر إعفاء الأشخاص المتورطين في التجاوزات والانتهاكات، فإذا بنا نتجرع مرارة تكريم بعضهم.. لقد كنا ننتظر انفتاح الإعلام العمومي فإذا هو مدمن على انغلاقه وانحيازه إلى رأي السلطة خلافا لأي إعلام ديمقراطي، ولقد كنا ننتظر الإفراج عن الصحفي رشيد نيني فإذا بالمتابعة تطال صحافيين آخرين وهما إدريس شحتان وعبد العزيز كوكاس. لقد كنا ننتظر قوانين انتخابية تستجيب لمتطلبات بناء الديمقراطية الحقيقية وتكرس إشراف سلطة مستقلة على الانتخابات ولوائح انتخابية جديدة وعتبة انتخابية ملائمة وغيرها، فإذا بالأيام القليلة الماضية تكشف أن كل هذه الانتظارات بعيدة المنال. -
ما هي مقترحاتكم بالنسبة إلى التقطيع الانتخابي؟ أعتقد، كما يعتقد كل من يريد بناء ديمقراطية حقيقية، أنه ينبغي اعتبار توظيف المال في الانتخابات العدو الأول للديمقراطية، وهو ما ينبغي أن يؤسس عليه ألا يقل عدد أعضاء الدوائر الانتخابية عن ثلاثة ولو بجمع عمالتين في دائرة انتخابية واحدة حينما لا يكون العامل السكاني في عمالة واحدة مؤهلا لها كي تكون دائرة واحدة، إلا أن وزارة الداخلية اقترحت اعتماد التقسيم الترابي القائم على أساس العمالات في تحديد الدوائر، حتى ولو لم يزد عدد أعضاء الدائرة عن عضوين، لذلك لا يسعنا إلا أن نعارض ذلك، لأن دائرة بعضوين لا فرق بينها وبين الاقتراع الفردي، مما سيسهل استعمال المال ويكرس الفساد الانتخابي. -
كيف تنظر إلى استمرار إشراف وزارة الداخلية على العملية الانتخابية، رغم مصادقة المغاربة على دستور جديد؟ بالنسبة إلينا، فقد اجتمع لدينا من الدلائل والبينات ما يجعلنا نقول إن وزارة الداخلية ببنيتها وعقليتها القديمتين غير مؤهلة لكي تشرف على الانتخابات، لأنها لا تبعث على الاطمئنان على نزاهة العملية الانتخابية بسبب ما راكمته من ممارسات يصعب عليها التخلي عنها، خصوصا وأنها لا ترى في محيطها ما يبعث على تغيير رجالها ونسائها لممارساتهم المعلومة، لذلك اقترحنا أن يكون الإشراف على الانتخابات من قبل هيئة وطنية مستقلة لها فروع على مستوى الدوائر يترأسها قضاة وتضم في عضويتها ممثلي الأحزاب السياسية، فضلا عن ممثلي الداخلية التي يبقى لها واجب التنظيم تحت إشراف الهيئة المذكورة، إلا أن هذا المقترح لم يتم الالتفات إليه. -
ما هي الشروط التي ترى أنها ضرورية قبل موعد الانتخابات؟ رأينا كان ولا يزال أن الأهم في هذه المرحلة ليس هو تاريخ الانتخابات، بل الشروط الضرورية لإنجاز انتخابات حرة ونزيهة في ظروف ملائمة تجعل الإقبال عليها مكثفا، مما يؤسس لمصداقية المؤسسات والثقة في المرحلة، إلا أن السلطة كانت ومازالت ترى أن الأهم هو التاريخ ولو على حساب كل ذلك. رأينا أن يتم أولا الاتفاق على الشروط وعلى ضوئها يتحدد التاريخ، أما الشروط فهي أولا هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات كما سبق ذكره، ولوائح انتخابية جديدة واعتماد البطاقة الوطنية وحدها في التصويت وهو الطلب الوحيد الذي قبل، إضافة إلى تغيير بعض الولاة والعمال ممن يشار إليهم بالبنان على كونهم يخدمون حزبا معينا كما دلت على ذلك سالف الأيام، لكن إذا كانت هذه الشروط مهمة في ضمان نزاهة الانتخابات، فإن هناك شروطا أخرى لا تخفى أهميتها في ضمان المشاركة الواسعة في هذه الانتخابات. -
ما هي هذه الشروط؟ هي تلك التي تؤسس الثقة الواجبة بين المواطنين والدولة، وتبعث على الارتياح بشأن التطورات الجارية ولو نسبيا، ومن ذلك أولا إطلاق سراح المعتقلين لأسباب سياسية والعمل على حل ملف ما يسمى بالسلفية الجهادية. الشرط الثاني يتمثل في تسخير الإعلام العمومي ليكون منفتحا على كل الآراء ومتابعا لكل الوقائع دون انحياز إلى رأي السلطة، لأنه مؤشر هام على مستوى التطور السياسي للبلاد.
أما ثالث هذه المؤشرات المطلوبة فيرتبط بإبعاد بعض الأشخاص المتنفذين الذين أفسدوا الحياة السياسية أو استأثروا بالمنافع الاقتصادية من المربع المتمكن من السلطة، لإعطاء الدليل على عهد جديد، بل إني أذهب بعيدا لأقول إن بعض القائمين على بعض المؤسسات الدستورية ينبغي إزاحتهم اليوم قبل الغد لإعطاء الدليل على أن التأويل الديمقراطي للدستور الجديد الذي طالب به الملك في خطاب العرش الأخير يتم خدمته برجال مؤهلين للقيام بالتأويل المذكور والانسجام مع متطلبات الدستور الجديد. وأخيرا يتعين تشخيص التأويل الديمقراطي للدستور الجديد، وهو ما كان يتطلب مثلا أن يقوم رئيس الحكومة برئاسة الاجتماع الأخير للولاة والعمال، وأن يقوم أيضا بالإشراف بصفته تلك على الحوار مع باقي الأحزاب حول متطلبات المرحلة بما في ذلك الشروط اللازمة للانتخابات الحرة والنزيهة، وأن يقوم بعد مرور هذه المدة بعقد اجتماع حكومي لاقتراح ولاة وعمال جدد كما سبق ذكره.
إن هذه الإجراءات وغيرها، مما يسمى بإجراءات الثقة أو المواكبة للدستور، ضرورية لإعطاء الدليل على أن مغربا جديدا في طور البناء وأن المساهمة في ذلك من خلال التأسيس للمرحلة المقبلة بالتصويت أمر محمود ومطلوب، وإلا فإن المشاركة في الانتخابات التشريعية ستكون محدودة وبالتالي ستكرس ضعف المصداقية الانتخابية للمؤسسات، وهو أمر لا تخفى خطورته. -
هل تتوقع فوز العدالة والتنمية بالانتخابات المقبلة؟ لا أشك في ذلك إذا كانت هناك انتخابات حرة ونزيهة، إذ إن كل المعطيات تؤكده.
هناك من يقول إن هناك تحفظات على حزبكم وحتى مع احتمال فوزه سيجد صعوبة في تشكيل الحكومة، هل تعتقد ذلك؟ أؤكد أن حكومة لا يرأسها العدالة والتنمية لن تكون حدثا ذا قيمة وستكرس حالة الإحباط لدى المغاربة، كما أن حكومة بدون مشاركة العدالة والتنمية ستكرس الأزمة التي تعيشها البلاد.
ما هي هذه المؤشرات التي تجعلك متأكدا من أن العدالة والتنمية سيكون الأول في الانتخابات المقبلة؟ ببساطة لأن حزب العدالة والتنمية هو الأكثر وجودا على الساحة، ومن جهة أخرى فإن أغلب الأحزاب الأخرى ترشح الأعيان وتستعمل الأموال. وإذا نظمت الانتخابات المقبلة على قاعدة محاربة الفساد المالي، فإن العدالة والتنمية مؤهل لاحتلال المرتبة الأولى. - عندما تقول إن حكومة بدون عدالة وتنمية ستساوي تكريس الأزمة ألا تعتقد أن هناك نوعا من الابتزاز: إما نحن في الحكومة، أو أن الانتخابات غير نزيهة؟ لا، لا علاقة لما قلته بهذا الموضوع، أنا انطلقت من كون العالم العربي يعيش ربيعا عربيا، فلا يعقل أن تغير شعوب أنظمتها ولا يغير المغرب حكومته، حتى على مستوى الأحزاب المشكلة لهذه الحكومة المقبلة. من جهة أخرى، نحن لا نريد الحكومة بأي ثمن ولكننا نريد أن تكون العملية الانتخابية نزيهة، وإذا تحقق هذا الأمر فنحن سنقبل النتائج أينما وضعتنا.
البعض يقول إنه حتى عندما ستكلفون بتشكيل الحكومة المقبلة، فإنه ستكون هناك إشارات لكي لا يسايركم الآخرون؟ نحن نؤكد أن دستورا جديدا يعني ممارسة سياسية جديدة لا تقبل هذا النوع من الإشارات، التي لا تسمو إلى مطامح المغاربة في التغيير، ولذلك فإن أية ممارسة من هذا النوع ستكون لها دلالة قوية وقاطعة على أنه لا شيء تغير في البلاد، ولكم أن تتصوروا ما يمكن أن يقع بعد ذلك.
هل يمكن أن تتعايشوا في حكومة واحدة مع حزب الأصالة والمعاصرة؟ بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة خصومة كبيرة، لقد قالوا منذ اليوم الأول لتأسيس حزبهم إن التحالف مع العدالة والتنمية خط أحمر فسمعناها منهم كما يقال، ولذلك لا يسعنا إلا أن نقول بدورنا إن العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة لا يمكن أن يجتمعا في أي حكومة حتى يراجع هذا الحزب خطه السياسي الذي أصبح عموم الشعب المغربي يتبرأ منه، وكما ترون حتى بالنسبة إلى الجماعات المحلية فقد بادر الإخوة في مراكش إلى التحالف مع الأصالة والمعاصرة إلا أن هذا التحالف لم يصمد وانهار كما كان منتظرا.
كيف تنظر إلى تكتل الأصالة والمعاصرة مع الأحزاب الثلاثة الأخرى، هل يعني ذلك تجاوز معضلة هذا الحزب داخل الطبقة السياسية؟ لا يخفى عليكم أن الأمر يتعلق بأحزاب إدارية بدرجات مختلفة، لذلك فإن اجتماع هذه الأحزاب الذي لم يصل بعد إلى درجة التحالف يبقى طبيعيا وإن كنا نأمل أن تراجع الحركة الشعبية موقفها، باعتبار أنه بقدر ما يوجد في صفوفها انتهازيون يجرونها نحو الأصالة والمعاصرة فإن في صفوفها أيضا مناضلون يدفعونها نحو العدالة والتنمية.
الملك يمكن أن يعين العثماني ولا يعين بنكيران على رأس الحكومة المقبلة، ما رأيك في هذا الأمر؟ نحن يهمنا مشروعنا ولا تهمنا أشخاصنا، المهم أن تكون هناك انتخابات نزيهة ينبثق عنها برلمان قوي وحكومة قوية بصلاحيات حقيقية، أما الاعتبارات الأخرى فتأتي في الدرجة الثانية.
كيف تنظر إلى مستقبل حركة 20 فبراير في ضوء ما يستجد في العالم العربي وما ستسفر عنه الإصلاحات السياسية والدستورية؟ حركة 20 فبراير لم تكن إلا استجابة طبيعية للتطورات الجارية في العالم العربي بطريقة مغربية، وهكذا فمنذ اليوم الأول كانت سلمية بشعارات واقعية، وإن كانت تتسرب إليها أحيانا شعارات أخرى، غير أن مستقبلها منوط بمستوى التطورات الجارية في العالم العربي من جهة، ومستوى التطورات السياسية الجارية في البلاد من جهة أخرى. ما يلاحظ عربيا، هو أن سقوط نظام القذافي سيعطيها جرعة من الحماس قد تغذيه حالة الركود السياسي والتثاقل الإصلاحي، ولا أستبعد أن تقع تطورات غير منتظرة في حجمها ونوعية شعاراتها بفعل الانفجارات الاجتماعية التي تقع هناك وهناك، أو بفعل نتائج الانتخابات إن كانت مخيبة للآمال، وهو ما أرجو أن يفهمه القائمون على أمر البلاد جيدا، ويتداركونه بإصلاحات حقيقية مقنعة. نشر هذا الحوار في عدد السبت 27والأحد 28غشت ب"أخبار اليوم" ويعاد نشره في "كود" باتفاق مع الجريدة وبإذن منها