قبل نحو 20 عاما، وتحديدا في العام 1996، عثرت الشرطة البلجيكية خلال حملة تفتيش ومداهمات على وثيقة باللغة العربية في أحد المنازل ببروكسل لتجد على صفحتها الأولى إهداء وإطراء لتنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن، اللذين كانا يشاركان حركة طالبان الحكم في أفغانستان، لكن السلطات في بلجيكا لم تُعر لتلك الوثيقة أي اهتمام، ليتبين لاحقاً أن تلك الوثيقة تؤرخ لبداية ظهور جيل من المتطرفين في البلاد. وحسب تقرير لجريدة "الغارديان" البريطانية، فإن السلطات في بلجيكا كانت منهمكة في ذلك الحين بالتحقيق في مجموعة تابعة ل"الجماعة الإسلامية المسلحة بالجزائر"، وهي المجموعة التي تبين لاحقا أيضا أنها أول خلية إرهابية يتم إلقاء القبض عليها في القارة الأوروبية، لتنذر سريعاً بتحول بروكسل الى عاصمة للإرهابيين على المستوى الأوروبي.
وتوالت بعد ذلك الحوادث التي توردها "الغارديان" في تقرير مفصل يكشف كيف تحولت بلجيكا إلى عاصمة للإرهابيين في أوروبا، وصولاً إلى التفجيرات الدامية التي شهدتها بروكسل صباح الثلاثاء، وأودت بحياة العشرات وأدت إلى تعطيل كامل للمطار الذي تعرض لتفجير انتحاري، ليكون بذلك أول مطار أوروبي يتعرض لعملية من هذا النوع في تاريخ القارة الأوروبية.
وتعيد "الغارديان" في تقريرها التذكير بأن آخر جنرال في أفغانستان كان يقف في مواجهة حركة طالبان وتنظيم القاعدة كان قد تم اغتياله في التاسع من سبتمبر 2001، أي قبل يومين فقط على هجمات سبتمبر التي استهدفت الولاياتالمتحدة، ليتبين سريعا أن الرجل الذي قام بتصفية مسعود كان عضوا في تنظيم القاعدة الذي يقوده بن لادن، وكان يحمل الجنسية البلجيكية ودخل أفغانستان باستخدام جواز سفره البلجيكي.
وشهدت بلجيكا لاحقا عددا من العمليات الإرهابية، ومن بينها الهجوم الذي استهدف المتحف اليهودي وأدى الى مقتل أربعة أشخاص في مايو من العام 2014، وتبين سريعا أن منفذ الهجوم على المتحف اليهودي كان يقيم في ضاحية تُسمى "مولينبيك"، وهي منطقة سرعان ما تبين أنها تغص بالمتطرفين الإسلاميين، ومن بينهم رجل يُدعى أيوب الخزاني ألقي القبض عليه لاحقا بعد أن تم اكتشاف أمره بأنه يخطط لشن هجوم يستهدف حركة القطارات بين أمستردام وباريس، وهو الهجوم الذي كان من الممكن أن يوقع عدداً كبيراً من القتلى والجرحى.
وبحسب جريدة "الغارديان"، فإن ثمة جملة من الأسباب تجعل من بلجيكا "عاصمة للإرهاب"، من بينها موقعها الجغرافي الاستراتيجي حيث تقع في الوسط بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، حيث خلال ساعتين فقط يمكن الوصول من بروكسل إلى أي من الدول الثلاث المهمة المشار إليها، فضلاً عن أن كونها جزءا من منطقة "شينغن" يعطيها ميزة إضافية تجعل الدخول إليها والخروج منها بالغ السرعة.
أما السبب الثاني الذي يجعل بلجيكا بلداً مغرياً للمتطرفين، فيتعلق بتوزيع المناطق فيها، والتركيبة السكانية في تلك المناطق، حيث إن فيها تنوعا كبيرا ونسبة كبيرة من المهاجرين الأجانب بما يجعل من السهل على الشخص الاختفاء والتمويه بالاسم، أو استخدام الأسماء المستعارة.
وتشير "الغارديان" إلى أن السبب الثالث وراء ظهور الإرهاب في بلجيكا هو الخصائص التي يتميز بها المجتمع المسلم هناك، حيث إن المسلمين يعانون نقصاً في أئمة المساجد والمعلمين، وهو ما يدفعهم إلى الإتيان بالأئمة وخطباء المساجد من الخارج، بما يعزز من احتمالات أن يأتي إلى البلاد من يحملون أفكاراً متطرفة وينشرونها بين المسلمين المتواجدين هناك، حسب الصحيفة البريطانية.
يشار الى أن عددا من التفجيرات هزت بلجيكا صباح الثلاثاء، لكن أهمها كان في قاعة المغادرين بمطار بروكسل، وأوقعت التفجيرات عددا كبيرا من القتلى والجرحى، فيما تبنى بيان منسوب لتنظيم داعش التفجيرات.