طيلة اسبوع كامل، خلق الحدث، عندما كان حديث كل الجرائد، فاحتل خبر اصداره الجزء الأول من مذكراته صدر صفحاتها الاولى، وصفه البعض بالمؤرخ، وارتأى آخرون، أن يطلقوا عليه "شاهد" على فترة حالكة من تاريخ المغرب او "الصندوق الاسود"، "المحجوبي احرضان" أو "الزايغ"، كما أطلق عليه رفيقه القديم عبد الكريم الخطيب، سياسي مغربي انطلق من اعماق الاطلس دون ان يذكر ذلك في مذكراته، التحق بالجيش الفرنسي مند صغره بالمغرب، لكنه يحب صفة "المقاوم"، عاش ملابسات استقلال المغرب وصراعاته السياسية واغتيالاته، ويحلو للبعض اختصار حياته، بالتوصيف التالي "وهب نفسه لخدمة المخزن بعد ان كان في خدمة فرنسا".. فمن يكون حقا المحجوبي أحرضان؟ وماذا يجعل من خبر إصداره لمذكراته حدثا يثير الزوابع؟ زعزعة للأساطير أم أكاذيب؟ "اللي عليا درتو والأمانة أديتها، والأهم أنني لم أكذب وكل مارويته حقيقي .. صحيح وحقيقي وبدون أي رتوش.. ولم أعتمد فيه فقط على الذاكرة بل عدت إلى ما هو مدون في وثائق والغرض منها ليس محاكمة أي شخص بل أخذ العبرة واستخلاص الدروس"م هكذا قال احرضان وهو يقدم الجزء الأول من مذكراته التي تغطي مرحلة سياسية مهمة في تاريخ المغرب تمتد ما بين 1942 و1961. المذكرات أثارت الكثير من التعليقات وردود الافعال في الوسط السياسي والثقافي المغربي، لأنها تغطي أهم مرحلة يعد المغرب الراهن، نتاجا لها، وهي المتعلقة بالاستقلال وتوقيع معاهدة "إكس ليبان" مع فرنسا، تمهيدا لتأسيس الدولة الوطنية، فكانت البداية مع المؤرخ والناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي حسن أوريد، الذي قدم المذكرات، حيث قال في تصريح للصحافة، إن كتاب أحرضان "هو جزء من تاريخ المغرب في مرحلة حاسمة تزامنت مع مرحلة الحماية، وواكبت ما تمخض عنها من عزل السلطان محمد الخامس والمؤامرات التي حاكتها الادارة الاستعمارية، ثم عودة الشرعية نتيجة كل من كفاح الشعب المغربي ونضال الملك الراحل محمد الخامس". معتبرا أن الكتاب "سيسهم لا محالة في تقديم نظرة تقريبية للاشياء وسينهي الكثير من الأساطير"، وهو "شهادة مهمة في ما يخص ايكس ليبان والملابسات او المناورات التي كانت تحاك آنذاك وملابسات اغتيال عباس المساعدي".
رأي أوريد، وهو مؤرخ سابق للمملكة، ليس هو رأي أحد المعنيين المباشرين بمقتل رئيس جيش التحرير، عباس المساعدي، يتعلق الأمر بمحمد بنسعيد آيت يدر، فقد صرح لاحدى اليوميات، أن "مثل هذه المذكرات يراد بها التغطية على الأحداث والتضليل حول من أوقف مسيرة التحرير"، واصفا الاحداث التي رواها احرضان "بالخرافات والأكاذيب". الكاتب والسياسي، العربي المساري، بدوره رد على مذكرات أحرضان بالقول أنها "كلام حشيشية وليس كلام عقلاء"، مستنكرا استهداف علال الفاسي من طرف ما أسماه "بقايا الاستعمار الفرنسي وذيوله".
البشير بن بركة الذي شملت مذكرات احرضان اسم والده الزعيم الاتحادي المهدي بن بركة، علق عبر احدى الجرائد، على مذكرات احرضان بالقول "ها هو اليوم واحد من الشهود على تلك المرحلة يقول بأن قاتل المسعدي ما زال حيا ما يعني نفي التهمة عن المهدي".
يوم التوقيع.. أسرار ومفاجاءات
تحدث احرضان يوم تقديم مذكراته عن العديد من رجال السياسة من قبيل الجنرال محمد أوفقير، اليد اليمنى للحسن الثاني، الذي قال في حقه أحرضان أنه "كان وطنيا وكان ضابطا في المستوى، هذا ما يمكنني أن أقوله عن أوفقير أما أن أقول إنه خائن، فلا يمكنني أن أحكم عليه بذلك".
بالاضافة إلى المهدي بن بركة الذي قال عنه احرضان "الله يرحم المهدي بن بركة.. كان صديقا، أعرفه جيدا، للأسف كان يمكنه أن يعطي الكثير لهذا البلد"، وبعدها روى واقعة طلب بن بركة منه التوسط لدى عباس المسعدي، القيادي البارز بجيش التحرير الذي قاد المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأجنبي، بالتوقف عن نعته ب"الخائن". حيث سأله عن مشكلته مع المهدي، فأجاب المسعدي بأنه "بعد أن تم إطلاق سراحه توجه إلى المهدي من أجل مساعدته". مضيفا أن بن بركة استقبل المساعدي في المرة الأولى، ووعده بأن يساعده. وفي المرة الثانية لما توجه إلى بيته، استقبلته خادمة أخبرته بأن المهدي يقول له "إما أن ينصرف من باب البيت أو يطلب الشرطة".
اسرار احرضان لم تنتهي هنا، فخلال حفل التوقيع سيكشف أحرضان عن سر مقتل المساعدي، حين قال "الذي أشرف على وفاة المسعدي، لا يزال على قيد الحياة ولن أكشف عن اسمه". متحدثا عن عملية نقل جثمان المسعدي من فاس لأجدير التي تطورت إلى اشتباكات بين الجيش وبعض أبناء الريف. قبل أن تتم تهدئة الوضع، ويسجن هو والخطيب بسبب ذلك. بعض الفصول والفقرات
واسترجع أحرضان في كتابه ذكريات عايشها كجندي بسيط في الجيش الفرنسي ، ثم كواحد من أبرز أعضاء جيش التحرير قبل أن يتقلد مناصب سياسية عليا. وخاص الزايغ معاهدة "ايكس ليبان" بفصل من فصول مذكلراته، حيث تحدث احرضان عن اللقاء الذي جمع بين الفرنسيين وممثلين باسم الحركة الوطنية، متهما المشاركين في المؤتمر لم يكن همهم قضية العرش "بل كان هدف هؤلاء في الواقع هو خدمة مصالحهم، لكي يصبحوا هم الزعماء، فقد كانوا يطالبون بابتعاد بن عرفة وليس باستقالته".
وفي فقرة عنونها احرضان ب"مسلسل القتل" تحدث خلالها عن علال الفاسي، مؤسس حزب الاستقلال، حيث قال أن الفاسي كان قد عاد للتو من سفره إلى احدى البلدان العربية، وكان يحتفل رفقة بعض أصدقائه على وقع "الطرب الأندلسي" في مكان غير بعيد عن "جنان بريشة"، "حيث كان يعذب المختطفون"، وقال أحرضان أن صديقه عبد الكريم الخطيب قال للفاسي "الناس يموتون على مقربة منا وهنا الناس ينصتون للآلة"، فرد الفاسي على الخطيب: ‘فليموتوا على وقع الآلة!". وقد علق أحرضان على الحادثة بأنها تكشف ‘قلة احترام للحياة الإنسانية وأيضا لكرامة المواطنين ولكن بالنسبة لخرفان تحولت إلى ذئاب الغاية تبرر الوسيلة".
وفي انتظار الجزءين الثاني والثالث من مذكرات المحجوبي احرضان، اللذان سيصدران لاحقا واللذان يغطيان الفترة التي تلت عام 1961 إلى غاية 1999، تبقى لكل روايته للأحداث والوقائع حسب توجهاته السياسية وقربه من السلطة، إلا أنها كلها تسهم بشكل أو بآخر في كتابة تاريخ المغرب المعاصر. حكاية قادم من الأطلس الأمازيغي الى قصور السلطان
انخرط المحجوبي أحرضان في صفوف الجيش الفرنسي، لكن سرعان ما احس بالضيق، فشرع يفكر في دعم جهود مقاومة الاستعمار، فأصبح عضوا في المجلس الوطني للمقاومة ومسؤولا في جيش التحرير.
ابن أولماس بالاطلس المتوسط، سيلج ميادن السياسة وسيؤسس الحركة الشعبية منذ الاستقلال مع الدكتور الخطيب (بعد خروجهما من السجن)، في سياق سياسي لا يخلو من السعي إلى منافسة حزب الاستقلال الذي كان مهيمنا على النخبة وعلى الشارع بالمغرب، لتعقد الحركة مؤتمرها الأول في يونيو 1959،انخرط بعد ذلك في ما سمي بجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية( الفديك)، التي اسسها رضا كديرة سنة 1963. لكن الحركة الشعبية بعد مرور سنوات قليلة على تأسيسها شهدت انشقاقات عديدة، كان أولها عام 1966 حيث بدأ الخلاف بين المحجوبي أحرضان والدكتور عبد الكريم الخطيب على الزعامة، لتنقسم الحركة على نفسها، حيث احتفظ أحرضان باسم الحزب وخرج الخطيب مشكلا "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية" عام 1967. وفي أكتوبر 1986 انعقد المؤتمر الاستثنائي للحركة الشعبية الذي أقال المحجوبي أحرضان من منصبه ليصبح الكاتب العام للحركة الشعبية هو محمد العنصر.