بالأمس القريب كان سؤال المستفيد من ثورات الربيع العربي مغريا، ثم جاء سؤال ثان لا يقلّ عن سابقه إغراء وهو: من المستفيد من خريف الربيع العربي؟ لكن اليوم، ربما أصبح هذا السؤال هو الأكثر إغراء: من المستفيد من الربيع والخريف العربيين دفعة واحدة؟.. في السؤال الأول، كان الجواب هو تركياوقطر، بحكم أنهما كانتا تقدمان دعما إستراتيجيا للإسلاميين في المنطقة، وفي السؤال الثاني كان الجواب هو إسرائيل، وبدرجة أخفّ الإدارة الأمريكية، بحكم أن إسرائيل كانت الأكثر تخوفا من صعود الإسلاميين في المنطقة ودورهم المحتمَل في تهديد السلام العربي -الإسرائيلي والإجهاز على اتفاقية كامب ديفيد. أما في السؤال الثالث، أي من المستفيد من الربيع والخريف العربيين دفعة واحدة؟ فالجواب بدون شك، هو المغرب، لماذا؟ لأنه نجح في أن يخرج من الربيع العربي بدون خسارة تذكر، وأبقى على الإسلاميين على الحكم بعد إخضاعهم ل"حمية" في تعديل حكومي كان ضروريا، كما أن المغرب حصّن خياره الديمقراطي وجعل تجربته نموذجا في العالم العربي، الذي تعرف الكثير من دوله تعثرات كبيرة في ترتيب الانتقال، بل إن بعض الدول تتجه الآن نحو المجهول. ولعل هذا الوضع، الذي قادته دبلوماسية ملكية ذكية، هو الذي جعل المغرب قادرا على أن يحوز دعم كل الأطراف، سواء منها التي كانت مستفيدة من ربيع الشعوب أو من خريفها.. ولعلّ هذا هو نقطة قوة بلادنا، التي جعلت العلاقات المغربية -القطرية ممكنة التطور والتقدم، فلا الإسلاميون غابوا في تجربة "الحكم" في المغرب، ولا هم قادرون على لعب أدوار فوق عادية يمكن أن تهدد المصالح الغربية في المنطقة. معنى ذلك أن قطر، إن كانت تراهن على تسويق صورة الإسلاميين كحركة سياسية معتدلة تقوي التغيير السياسي وتدفع نحو اعتدال التيارات الإسلامية الراديكالية، فلم يبق أمامها إلا التجربة المغربية، وهي مضطرة، أيضا، إلى أن تتعامل مع النموذج المغربي ليس فقط من زاوية دور الإسلاميين، ولكن من زاوية النموذج السياسي برمته، والذي لا يشكل فيه الإسلاميون إلا فاعلا من ضمن فاعلين، ما دام مسلسل الإصلاح في المغرب لم يبدأ مع موجة الرّبيع العربي. خلاصة القول إن قطر مدعوة، إن كانت تحتفظ بمشروعها السابق ذاته وبرؤيتها الإستراتيجية للتغيير السياسي في الوطن العربي، إلى أن تعتمد على تسويق التجربة المغربية في شمولها، وهذا يتطلب منها أولا التوقف عن حربها الإعلامية السابقة عبر قناة "الجزيرة"، التي تسببت في نقط توتر واحتقان بين البلدين، وأن تساهم في الإشعاع للنموذج والتجربة الديمقراطية المغربية، لأنها ببساطة التجربة الوحيدة الناجحة التي استطاعت أن تضمن الاستمرارية في مسار العملية السياسية دون تكلفة. أمام المغرب وقطر فرصة كبيرة لا يكفي فيها مجرّد نسج علاقات عادية بإبرام اتفاقات ثنائية بين البلدين، يمكن في أي لحطة أن تهددها المتغيرات السياسية، وإنما تتطلب هذه الفرصة أن يتم بذل مجهود في نقد الرؤى الإستراتيجية السابقة وإعادة تقييمها في ضوء نتائج التفاعلات الجارية في دول الربيع العربي وبلورة إستراتيجية أخرى تساهم في إحداث تغيير حقيقي في المنطقة، ولو تطلب الأمر أن تكون وتيرته بطيئة، عملا بهذه القاعدة الإنجليزية: "لا عبرة بالبطء إن كان المفعول أكيدا"