مرة أخرى تنظم وقفة أمام محكمة الاستئناف بالرباط لمساندة جيهان وهبة، وهما المراهقتان اللتان تم اغتصابهما في صيف هذه السنة، وهي وقفة أيضا ضد جريمة الاغتصاب بشكل عام... كان الحضور وازنا، ورافقه كالعادة تجنيد صحفي ممتاز، تجسد هذه المرة في تواجد كاميرا القناة الثانية...
لا يمكن إلا ادانة الاغتصاب كيفما كان نوعه، واعتباره من الجرائم الكبرى الذي يستحق العقوبات القصوى في تشريعات البلدان، الاعدام مثلا في الدول التي لا زالت تطبق هذه العقوبة...
في واقعة جهيان وهبة، المغتصبان المفترضان وراء القضبان، معتقلان ويحاكمان وفق القانون... بغض النظر عن الرواية التي تعتمدها عائلاتهما، يفترض في العقلاء أن يطالبوا بضمان محاكمة عادلة لهذين الشابين ...
ما دلالة الوقوف أمام محكمة الاستئناف بالرباط وفي اليوم الذي تنظر فيه هذه المحكمة في ملف الفتاتين؟
لا يعني سوى أنه ليس لنا ثقة في القضاء، وأننا نمارس هذا الضغط كي يستوي القاضي على كرسيه (ويعرف معا من هو)... ومعناه أيضا افتراض تدخل الجهة الخصم للتأثير في القضاء بالنفوذ المزعوم لها ومحاولة لجم هذا التدخل...
عدا الوقفة المضادة التي نظمتها عائلتي الضنينين فيما سبق من الأيام، والتي كان عنوانها المطالبة بمحاكمة عادلة، وهذا في حد ذاته مطلبا عادلاً ومنصفاً، ليس هناك ما يؤشر على أن هذه الجهات تسعى إلى التدخل في تغيير مسار القضية، ثم أن مسألة النفوذ في حد ذاته مفهوم ملتبس في هذه القضية بالذات، فإذا كانت عائلة المتهمين تنتميان إلى نفوذ الجيش ورجال الاعمال فإنه في المقابل تنتمي عائلتي جيهان وهبة للنفوذ الجديد الذي تشكل في المغرب من المنظومة الحقوقية والمجلس الوطني لحقوق الانسان وملفات سنوات الرصاص وغيرها... وهو نفوذ كان عليه أن يصون القيم الكبيرة التي أنتجته، ومنها أساسا استقلالية القضاء وتعزيز دور الحماية فيه، ثم صيانة الحق في المحاكمة العادلة للجميع بمن فيهم المعتدون الافتراضيون على هبة وجيهان....
النضال ضد ظاهرة الاغتصاب وتنظيم الوقفات من أجلها، عليه أن يكون قبالة البرلمان لحث البرلمانيين على تحسين التشريع في ذلك المجال، أمام وزارة العدل للغاية نفسها، قبالة وزارة بسيمة الحقاوي لدفعها لاتخاذ المبادرات من أجل حماية الطفولة والمرأة في هذا الشأن.... أما القضاء، فإن الايمان بدولة الحق والقانون، والإيمان أيضا بما تحقق في هذا الحقل وخاصة من طرف بعض المنتسبين إلى هذه الوقفات الذين يشتغلون في إطارات مدنية (المنظمة المغربية لحقوق الانسان) أو شبه رسمية (المجلس الوطني لحقوق الانسان) فيجب أن يُتْرَكَ لشأنه كي ينظر في القضية بكل التجرد وكل الاستقلالية الممكنة، خارج الضغوطات المصلحية الضيقة والتي تتخذ من الاشكال النضالية مطية لتحقيق مآرب صغيرة جدا بالنظر إلى نبل القضية المرفوعة في الاحتجاجات...
ظاهرة الاغتصاب منتشرة في ربوع المملكة الشريفة، وعلى الاطارات المهتمة بهذا الملف البحث فقط في الجرائد وفيما يصدر عبر المواقع الالكترونية وفيما تقف عليه السلطات من أمن ودرك وغيرها، كي ينظموا مسانداتهم لضحاياها الذين غالبا هم من أبناء الطبقات الفقيرة والمعدمة والذين بالفعل يتم التدخل في قضاياهم على مستويات كثيرة تجعل منهن ضحايا حقيقيات لكل هذا التخلف الذي نرزح تحته...
أما بالنسبة لجيهان وهبة، واجب التضامن ازاء ما تعرضتا له ملزم وضروري، والقضاء ينظر في قضيتهما، لا يسعنا سوى المطالبة بمحاكمة عادلة تنتج العدل للجميع، خارج الضغوطات والنفوذ... النفوذ التقليدي والنفوذ الجديد...