شهد الإعلام العمومي بالأمس نكسة أخرى من خلال تكريسه لدولة الاستبداد والبروبغندا، وذلك عبر فسح المجال لمرور رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران في برنامج سمي ظلما حواريا، تم تسجيل وتركبيه واختيار الصحفيين المشاركين فيه بعناية تامة وذلك في احتقار غير مسبوق للمشاهد دافع الضرائب الذي يمول هذه القنوات الفاشلة. كان حريا ببنكيران أن يمر في برنامج من برامج القنوات التلفزية العمومية المباشرة التي تعنى بالنقاش السياسي بدل التهرب من المسؤولية عن فشله في تدبير المفاوضات من اجل ترميم أغلبيته الحكومية الهجينة والقدوم كالعريس في برنامج مسجل كان عبارة عن خطبة لزعيم حزبي في تجمع انتخابي.
بنكيران رغم التسجيل والمونتاج لبرنامجه الخاص جدا، ظهر عصبيا ومهزوزا على مستوى النفسي وغير مقنع بالمرة في تبريراته، حيث غابت عنه ردة الفعل في اللحظة المناسبة مما دفعه إلى التهرب من الأجوبة ومحاولة لعب دور الضحية أمام الصحفيين في إشارة غير ذكية من بنكيران للمشاهدين أنه مستهدفا من الإعلام.
الظهور الضعيف والمرتبك لبنكيران، كان ناتجا على ما يبدو عن عدم اقتناعه بحكومته الثانية الشيء الذي جعله في موقف المبرر والضعيف أمام أسئلة الصحفيين والتي لم تكن للأسف محرجة بالشكل اللازم.
اعتمد بنكيران "الدخول والخروج في الهدرة" كتكتيك في حواره التلفزي، محتقرا المواطن والمشاهد والنخب السياسية في البلد بكلامه الإنشائي الذي لن يصدقه حتى طفلا صغيرا، ببساطة لأن مبررات بنكيران لا تتماشى حتى مع برنامج حزبه الانتخابي ولا مع الدستور المعدل الذي اسر بنكيرن البارحة أن تم إعداده في الديوان الملكي.
على مستوى المضمون اتضح أن بنكيران أصبح رهينة عند الدولة العميقة المخزنية، وذلك بنهجه الأعمى لسياسة "التمكين" الفاشلة لحزبه والتي سبقه لها الاتحاد الاشتراكي في حكومة التناوب رغم أن المقارنة ما بين كل من شخصي بنكيران واليوسفي على مستوى الكفاءة هو تنقيص من مكانة عبد الرحمان اليوسفي، رغم فشل هذا الأخير السياسي في إنجاح تجربة التناوب التوافقي.
تفاجأ المشاهد البارحة بنزوع بنكيران الشخصي للسلطوية والاستبداد في تعامله المهين مع الصحفيين، يضاف إلى هذا دفاعه الغريب عن عدم المراقبة السياسية لزروايط وزارة الداخلية وانتهاك أم الوزارات المستمر لحقوق الإنسان، من خلال إسنادها لابن دار المخزن وليس لحزب سياسي لكي لا يحاسب الحزب سياسيا عن هفواته في تدبير الداخلية.
هذا التبرير الاستبدادي، يدل على أن بنكيران اقتنع في ظرف 23 شهرا بالمقاربة الأمنية وأصبح من المدافعين الأشاوس عن عدم ربط السلطة بالمحاسبة والقمع هو الوسيلة للتعاطي مع مطالب المواطنين في الحق في العيش الكريم !.
غاب البارحة البرنامج الحكومي عن النقاش وحضرت "وزيعة" المناصب الوزارية التي كانت من أجل ترضية العائلات ورجال الأعمال والأعيان، فلم يقنع بنكيران أحدا بأنه هو من اقترح أسماء الوزراء للملك، لأنه ببساطة المغاربة يعلمون جيدا أن بنكيران لا سلطة له حتى على موظف صغير في المملكة، فكيف أصبح اليوم يقترح واليا اسمه محمد حصاد لشغل منصب وزيرا للداخلية، وهذا الأخير هو من منع بنكيران من تنظيم نشاط حزبي بمدينة طنجة في السنة الفارطة. لقد جعلت من بنكيران تبريراته الواهية يسقط مرة أخرى أخلاقيا في أعين المشاهدين، لأن حزبه لعب على ورقة الأخلاق والهوية الدينية لحصد الصف الأول في الانتخابات التشريعية السابقة، غير أن بمجرد وصوله للسلطة انقلب على الأخلاق وأصبح يتعامل مع المغاربة كقطيع في احتقار تام لذكاء هذا الشعب.
الغريب في مرور بنكيران التلفزي، انه ظهر قويا فقط عندما هاجم شريحة من أبناء الشعب الفقراء وطالبهم باحترام القانون، وذلك خلال حديثه عن معطلي محضر 20 يوليوز، مستمرا في سياسة الاستئساد على الشعب الفقير الذي يعاني يوميا مع سياسات بنكيران المشؤومة والتي تعتمد منذ تنصيبها الأول على شعار مركزي عنوانه العريض:" الفقراء والطبقة المتوسطة من تؤدي ضريبة الأزمة المالية"، في اختزال سافر للوطنية ومصلحة البلاد واستقرارها عبر ربطها بالرضوخ للزيادات المتتالية في الأسعار والتطبيع مع الريع السياسي والاقتصادي والخرق المستمر للقانون والدستور !