خرجت النسخة الثانية من حكومة عبد الإله بنكيران إلى الوجود وبالوجوه التي تنبأت بها الصحافة أو سُرِّبت إليها بين مكالمة مسؤول وتعقيب آخر.... لا تهم الأسماء، بقدر ما تهم الرسائل والإشارات....
لا ثقة في الأحزاب كي تتولى حقيبة وزارة الداخلية، كل شيء معه اللعب إلا الأمن والتحكم الذي يشرف عليهما القصر مباشرة عبر وزراء يتميز تكوينهم بانعدام المزج بين شؤون الدولة والسياسية، في فهم غريب لهذه الممارسة.... الوالي محمد حصاد، الذي عرف باستحمامه ذات صباح باكر في شاطئ طنجة كي يرد على جهة رسمية صنفت مياه المدينة ضمن المياه الأكثر تلوثا في المغرب، هو وزير الداخلية...
المفروض أن الحكومة هي حكومة سياسية، لكن لا بلاغ الوكالة المغربية للأنباء ولا تصريحات المعنيين تفيد أن السيد حصاد عين باسم الأحرار، هو تحصيل حاصل لا غير، من لا حزب له في الحكومة فحزب الأحرار ملجأه... بعكس محمد حصاد، صرح بنكيران لموقع كود أن مولاي حفيظ العلمي :وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، أقترح باسم حزب الأحرار... هنا يجب العودة إلى تاريخ هذا المناضل الأشوس لمعرفة تدرجه في هياكل هذا الحزب العتيد، ففي محاولة للبحث عن سيرته الذاتية في شبكة العنكبوتية، وجدنا البورتري التالي: دفعه عشقه الكبير لكل ما يتعلق بالتكنولوجيا والأجهزة الحديثة إلى تجهيز فيلته بأحدث التجهيزات الإلكترونية، لاحظوا أنه لا وجود لانتسابه إلى أطفال حزب الأحرار، ولو أنه لا يوجد تنظيم باسم طفولة حزب التجمع الوطني للأحرار.... يحبّ أيضا العزف على العود في أوقات الفراغ. ويشير مقربون منه إلى أن الرئيس السابق ل«الاتحاد العام لمقاولات المغرب» يجد راحته النفسية في عزف الموسيقى العربية الخالدة، من قبيل موسيقى سيد درويش وألحان تقاسيم نصير الشمة... ولا يوجد ما يشير إلى أنه انتسب إلى شبيبة حزب التجمع الوطني للأحرار، وحتى هذه الشبيبة لا علم لي شخصيا بوجودها، الرّجُل العصاميَّ الذي بنى ثروته من الصفر، معتمدا على كفاءته وذكائه، وبكونه الرجل الذي اضطر، في غياب إخوته الكبار، الذين كانوا يتابعون دراستهم في الخارج، إلى أن يتولى تدبير شؤون العائلة، إذ كان يُشْرف على الإرث الذي خلّفه الوالد، والمتكون أساسا من ضيعة صغيرة في ضواحي مدينة مراكش.. وعلى غرار رجال أعمال آخرين، أمثال عثمان بنجلون وعزيز أخنوش، قرّر العلمي الاستثمار في مجال الإعلام، عبر إنشاء يومية «ليزيكو»، واقتناء مجلة «زمن» الفرنكفونية المتخصّصة في التاريخ المعاصر، ولاحظوا أيضا أنه لا يوجد ضمنها أيضا ما يفيد أنه كان يتقلد منصبا في أحد هياكل الحزب، ولا انتخب في أحد مؤتمراته، ولا تحمل مسؤولية في مكتبه السياسي.... الكثير مما يمكن أن يقال بشكل ايجابي في حق هذا الرجل، إلا انتماءه إلى حزب ما... ربما قربه من القصر كان يمنعه من ذلك... عملية صبغه بالأزرق الآن هي أكبر سبة للممارسة الديمقراطية في هذا البلد، هي صفعة للفصل 47 من الدستور الذي يوحي بأن الحكومة هي حكومة سياسية، وهي مؤشر لا يخفى إلا عن البلداء، بأن للقصر يد في حياكة هذه الحكومة... وهي في الأخير قتل لمعنى الحزب، كمصعد اجتماعي تستطيع من خلاله الكفاءات أن تصل إلى أعلى هرم المسؤولية في هذا البلد وهي الاستوزار...
لعل السؤال البليد الذي يهيمن على كل تفكير منطقي، ألا يوجد ضمن حزب ألأحرار كفاءة تستطيع أن "تحمر" وجه الحزب في هذا المنصب؟