يستغرب نزار بركة، وزير الاقتصاد والمالية، في حوار نشرته اليومية الاقتصادية "ليزيكو"، يوم الجمعة 12 أبريل، لموقف بعض السياسيين المنتمين لأحزاب الأغلبية من قرار الحكومة بوقف تنفيذ بعض نفقات الإسثتمار الخاصة بالميزانية العامة برسم السنة المالية 2013. ويؤكد بركة على أن منتقدي القرار من داخل أحزاب الائتلاف الحكومي الحالي "تمت موافاتهم مُسبقا بالإجراءات التي ستتخذها الحكومة، خاصة تقليص ميزانية الاستثمار، مضيفا أن هؤلاء "أحيطوا علماً بالوضعية الاقتصادية للمغرب منذ شهر فبراير الماضي". وتشير حيثيات القرار المنشور على صفحات العدد الأخير من الجريدة الرسمية أن نزار بركة هو من اقترح تقليص نفقات الاستثمار على الحكومة. ونزار بركة كما هو معلوم ينتمي لحزب "الاستقلال"، لكن أمين عام الأخير حميد شباط، نفى في تصريح سابق لموقع "لكم. كوم"، أن يكون علِم بقرار تقليص نفقات الاستثمار قبل اجتماع قادة الأغلبية يوم 28 مارس بمقر إقامة رئيس الحكومة. ويؤكد شباط في نفس التصريح على أنه ضد القرار. بل أبعد من ذلك بكثير، مُذكرة حزب "الاستقلال" المُوجهة لرئيس الحكومة، ووثيقة "جهاد الكرامة" التي صاغتها اللجنة المركزية للحزب، مُؤخرا، تدعوان إلى توسيع دائرة نفقات الاستثمار والعمل على خلق فرص شغل جديدة للمعطلين. نحن إذن أمام روايتين ومفارقتين، رواية الوزير، مُقترح القرار، والذي يؤكد على أن أمينه العام كان على علم به، ورواية شباط معارض القرار، الذي يؤكد أنه لم يعلم بالقرار إلا نهاية مارس وليس شهر فبراير كما يؤكد بركة. فأيهما صادق في هاتين الروايتين؟ ثم كيف يعارض أمين عام قرارا وأحد وزراؤه هو من اقترحه فيما ثلاثة آخرون من نفس حزب شباط لم يسمع لهم حس في واحدة من أعقد القضايا المطروحة على طاولة الحكومة اليوم؟ أي علاقة تنتظم بين الوزير وأمين عام حزبه؟ وهل يقتضي الأمر عودة الوزير إلى حزبه وأمينه العام عند الرغبة في اتخاذ قرار أم أن الأمر لا يستدعي ذلك؟ ما طبيعة الالتزام الذي يربط الوزير بأمينه العام وبحزبه عموما؟ جزولي: الولاء يجب أن يكون للحزب لأنه الأصل المحلل السياسي أحمد جزولي، يرى أن الوزير يُعين من قبل الملك باقتراح من رئيس الحكومة، مشيرا إلى أن حزب الوزير هو الذي يقترحه في البدء على رئيس الحكومة مما يجعل الولاء للأصل الذي هو الحزب؛ وبالتالي على الوزير أن لا يتخذ قرارا ضد إرادة حزبه. ويشير جزولي إلى أنه لا يوجد التزام قانوني يلزم الوزير بالعودة إلى حزبه وهياكله عند رغبته في اتخاذ قرار ما، لكنه يؤكد على وجود التزام سياسي وأخلاقي مع الحزب المنتمي إليه الوزير مما يستدعى الأمر الرجوع إليه عند اتخاذ القرارات. مشكلة الوزراء اليوم، يضيف جزولي، أنهم يشتغلون بمنطق تقنوقراطي، وهذا ما يجعلهم لا يعيرون اهتماما للاجتماعات الحزبية. بندورو: هل رأيت في العالم وزير داخلية ينتقد الأوضاع وسياسة الحكومة التي يشارك فيها؟ عمر بنذورو، الأستاذ الجامعي، يذهب أبعد مما ذهب إليه جزولي، ويرى أن المشكلة أكبر من ذلك، حيث هي مرتبطة بخصوصية النسق السياسي المغربي، المتسم بمركزية القرار داخل جهة واحدة، وهي القصر. ويرى بنذورو أن ما يقوم به شباط من انتقادات لقرارات الحكومة لا يعدو سوى رغبة منه للضغط على بنكيران حتى ينتزع تعديل حكومي في أقرب وقت، دون أن ننسى يضيف، بنذورو، أن شباط شأنه شأن لشكر جِيء بهما إلى قيادة حزبيهما ليخوضان صراعا بالوكالة عن القصر ضد "البيجيدي" عندما ينتقدان مشاريع الحكومة وقراراتها. وأشار بندورو إلى أنه "لو كنا في دولة ديمقراطية وقواعد اللعبة السياسية واضحة فيها، لجاز لنا أن نناقش ما جرى بين شباط وبركة، لكن "والحالة هذه في المغرب؛ حيث ميزان القوى السياسي مائل لجهة واحدة وحيث السلطة كلها مركزة في يد واحدة وهي القصر فإنه لا يستقيم أن ننظر للأمر بمعزل عن السياق في شموليته كلها"، وهو سياق عنوانه الكبير "أن القصر يتلاعب بالحكومة ويحرض وكلاؤه عليها حتى تظهر هشاشتها وبأنها بلا مساندة غير مساندة القصر" يضيف بندورو. ويتساءل الأستاذ الجامعي نفسه: " هل رأيت في العالم وزير داخلية ينتقد الأوضاع وسياسة الحكومة التي يشارك فيها؟" قبل أن يضيف جازما "لوحدث هذا في أي دولة غير المغرب لسقطت الحكومة كلها". المدني: الوزير تابع لدوائر قرار خارجة عن الحكومة الأستاذ الجامعي محمد المدني، رأيه يوافق تقريبا رأي بنذورو، مؤكدا على غياب تضامن حكومي، مشيرا إلى أن أي تضامن أو اتفاق يتطلب ميكانزمات اشتغال و ميثاق تحترم مقتضياته الأغلبية الحكومية. ويؤكد المدني على أن الشأن السياسي والحكومي في المغرب يُدار على خلاف ما يجري في الدول الديمقراطية، مشيرا إلى وجود دوائر قرار خارج الحكومة تجعل الوزير تابعا لها أكثر من تبعيته للحزب الذي اقترحه للحكومة.