تبدأ القصة دائما بنقرة، ثم بنقرتين، فثلاث، وها هو الشخص الناقر يستطيب اللعبة، فيرى نكتة وينقر، ويرى فتاة ترقص فينقر، ويرى عريا ويريد أن يندد فينقر، وتغريه صورة مثيرة فينقرها وإذا هي فيروس يسعى. وكم من نقرة فضحت صاحبها، وكم من نقرة قضت على مستقبل أناس طيبين ومسؤولين ولطفاء، وكم من نقرة فرقت بين الأحباب وخربت بيوتا وفرقت شمل أسر وشردت أولادا ودمرت حكومات وبلدانا. وأنا أرى ذلك الشخص في حزب العدالة والتنمية يأخذ بيد رئيس الحكومة، ويقبض على أصبع بنكيران لينقر على جيم، خفت عليه وعلى هذا التهور الذي يظنونه تواصلا. ألم يقل سبحانه وتعالى في كتابه العزيز"ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، وهاهو بنكيران يلقي بيده وهو يضحك، وينقر، والكاميرا تصوره، ووزير الاتصال مصطفى الخلفي يقهقه هو الآخر، والحزب كله سعيد، بينما لا أحد نبهه إلى أن النقرة الأولى لها ما بعدها. لم يحذره أحد، ولم يخبروه أن عالم النقر هذا محفوف بالمخاطر، وأن الدخول إليه ليس كالخروج منه، وهناك من ترك زوجته وأولاده وتفرغ للنقر، وهناك من تخلى عن دينه وصلاته وانشغل بالنقر، وهناك من نسي نفسه وعمله وظل ينقر وينقر، ليكتشف متأخرا أنه بلا أولاد ولا زوجة ولا عمل ولا دين. ولا أظن أن الذين أوحوا إليه بالفكرة يتمنون القضاء على بنكيران، لأن الناقر المتميز هو ناقر متفرغ، ويقضي سحابة يومه وهو يراقب وينقر، ولا يشكو ولا يمل ولا يتأفف، أما رئيس الحكومة فله عمل ومسؤوليات، وليس بمقدوره أن يظل ينقر وينقر، إلا إذا كان سيوظف شخصا يؤدي بدلا عنه هذه المهمة. وهي مهنة موجودة اليوم، وهناك نقارون بدرجة عالية من الكفاءة، والحال أن الذين أخذوا بيد بنكيران كأعمى، يريدون منه أن ينقر بنفسه. وهذا غير جيد لصورة الحزب، ولصورة رئيسه، ولصورة مسؤول كبير في الدولة، ولصورة هذه التجربة الحكومية، بأن ينتهي بنكيران نقارا. فالنقر طبع متأصل، وموهبة، ولا يتعلم، وإما أن تدخله وأنت على دراية به أو تبتعد عنه، كما أنك وأنت تنقر قد تصادف أشياء وسلوكات وكلاما يمكنه أن يؤذيك ويجعلك تهرب. والذين جروا بنكيران من يده، وأخذوا أصبعه ووضعوها على الكلافيي، فعلوا ذلك ببلاهة منقطعة النظير، وهم يضحكون، كأنهم حققوا فتحا مبينا، ولم يكلفوا أنفسهم عناء تحذير بنكيران، ولم يخبروه بصعوبة هذا العالم، وأن هناك قطاع طرق وصعاليك وماجنون وكافرات بالله وصدور عارية وإليات ومشاهد ساخنة وحمقى يقذفون الناس بالحجارة. فماذا وبنكيران ينقر وهو سعيد ويجرب وضع أصبعه على جيم، ماذا لو خرج له سقراط، وبأي لغة يمكن أن يرد على محماد مول الحانوت الحقيقي وليس المزور، وماذا لو هاجمه الشيعة، أو فاجأه منظر مخل بالحياء، ماذا سيفعل حينها، ولا هاكا في النقر، ولا وزارة عدل. إنها مبادرة متهورة، والذين اعتبروا أنفسهم أذكياء ودفعوا بنكيران إلى الإقدام عليها، ألقوا بيده إلى التهلكة. وأخاف أن يستحلي بنكيران هذا الأمر. وأخاف أن يعجبه عالم النقر هذا، ولا يعود إلى قواعده. أخاف أن يترك الحزب والإصلاح والحكومة والمنصب والبيت وينتقل إلى العيش في الفيسبوك. فكم من واحد قال إنها مجرد نقرة، ولن أخسر شيئا، ولم يدر بنفسه إلا وهو يحمل معه الفيسبوك إلى التواليت، وإلى غرفة النوم، وإلى الاجتماعات الحكومية، وإلى البرلمان. وكم من شخصية محترمة ومتدينة نقرت النقرة الأولى، وبعد ذلك وجدت نفسها تلعب الكولف في الفيسبوك، وتلتقط صورا في الفنادق الفاخرة، وتتغزل في البنات، وكلما رأت صورة فتاة جميلة تقدمت إليها وخطبتها. وكم من شخص نقر وعاود النقر، ثم وجد نفسه فضيحة مصورة، وخبرا مضحكا في كل العالم. وكم هو سهل أن تجروا بنكيران من يده كي ينقر، لكن من منكم قادر على رد نفس اليد، ونفس الأصبع، حين يدمن على عالم كان يجهله، وورطتموه فيه. ومن خلال ما عرفناه عن رئيس الحكومة، ومن خلال طباعه الحادة وميله إلى السخرية والضحك، ومن خلال قفشاته، فأنا أجزم أنه لن يعود إليكم، وسيجد ضالته في الفيسبوك، حيث الحياة جميلة ومتنوعة وفيها من كل شيء طرف. وقد تكون غلطة العمر بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية، وحين ستحاولون استرجاعه، سيكون قد فات الأوان، وبعد يده وأصبعه، سيغرق بالكامل، وما اعتقدموه تواصلا، سيحرمكم من بنكيران. وسوف يصير مؤثرا ينقر وينقر ولا يمل من النقر وإذا لم ينقر يمرض ويحك جلده واسألوا كبار الناقرين وماذا يقع لهم إذا لم ينقروا وسوف تنتظرون بنكيران في البرلمان ولا أثر له وسوف تنتظرونه في المهرجانات الخطابية بينما هو منشغل بالجيمات والجدران وكم من نقرة قضت على صاحبها وكم من سحر انقلب على الساحر وكم من إفراط في التواصل أدى إلى عكسه خاصة إذا كان المعني بالأمر غير محتاج إليه وكانت خطته الناجحة في التواصل أنه لا يعرف النقر ولا يعرف ما هو الفيسبوك.