سيطر تنظيم الدولة الاسلامية بشكل كامل الخميس على مدينة تدمر الاثرية في سوريا, بعد سيطرته على مدينة الرمادي في العراق, في تقدم يتيح له بتوسيع نفوذه على جانبي الحدود. وتفتح هذه السيطرة الطريق امام التنظيم الجهادي نحو البادية السورية الممتدة من محافظة حمص (وسط) حيث تدمر حتى الحدود العراقية شرقا. وبالتالي, بات التنظيم يسيطر على نصف مساحة سوريا الجغرافية تقريبا, بحسب منظمة غير حكومية وخبراء. وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن اليوم "انتشر عناصر تنظيم الدولة الاسلامية في كل انحاء المدينة بما فيها المنطقة الاثرية في جنوب غربها والقلعة في غربها". ويثير دخول التنظيم الى المدينة العريقة قلقا في العالم, إذ سبق للتنظيم ان دمر وجرف مواقع وقرى اثرية في سوريا وفي العراق. وحذرت المديرة العامة لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) ايرينا بوكوفا في شريط فيديو نشر على موقع المنظمة الخميس من ان "اي تدمير لتدمر لن يكون جريمة حرب فحسب وانما ايضا خسارة هائلة للبشرية". بدوره, دعا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الخميس العالم الى "التحرك" بعد سيطرة تنظيم الدولة على تدمر وسط مخاوف تدمير المعالم السياحية في المدينة السورية التاريخية. وقال هولاند "علينا ان نتحرك لان هناك تهديدا لهذه الاثار المدرجة ضمن تراث الانسانية, وفي الوقت نفسه علينا ان نتحرك ضد داعش". وبعد الاستيلاء على تدمر اعدم مسلحو التنظيم المتطرف 17 شخصا على الاقل بينهم مدنيون, بحسب ما افاد المرصد السوري لحقوق الانسان. وقال عبد الرحمن لوكالة فرانس برس "أن تنظيم +الدولة الإسلامية+ أعدم في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي, ما لا يقل عن 17 شخصا بينهم عناصر من قوات النظام وقوات الدفاع الوطني الموالية له, إضافة لأشخاص موالين للنظام, وقام بفصل رؤوس بعضهم عن أجسادهم في المدينة". واضاف ان المدنيين كانوا يعملون في مجلس محلي. واوضح ان التنظيم اتهمهم ب "العمالة والتعاون مع النظام". وتحدث الناشط محمد حسن الحمصي المتحدر من تدمر لوكالة فرانس برس عن "انهيار قوات النظام التي انسحبت من معظم المواقع من دون مقاومة تذكر". واوردت وكالة الانباء السورية الرسمية "سانا" ان "قوات الدفاع الشعبي انسحبت من أحياء تدمر بعد تأمين خروج معظم الأهالي واستقدام تنظيم داعش الارهابي أعدادا كبيرة من إرهابييه". وانسحبت معظم قوات النظام في اتجاه مدينة حمص, بحسب المرصد الذي اشار الى ان "قسما من السكان نزح الى حمص, بينما لازم اخرون منازلهم". وبدأ التنظيم هجومه في اتجاه مدينة تدمر في 13 ماي وسيطر على مناطق محيطة بها خلال الايام الماضية قبل ان يتمكن من دخول المدينة بعد ظهر امس ويتقدم فيها سريعا. ولم يعرف بالتحديد مصير نزلاء سجن تدمر الواقع شرق المدينة والذي وصفه الناشط محمد الحمصي على حسابه على موقع "فيسبوك" ب`"القبر الكبير", وهو سجن ذاع صيته في الثمانينات بسبب ممارسات القمع التي حصلت فيه على يد نظام الرئيس الراحل حافظ الاسد. وقال المرصد ان قوات النظام قامت خلال الايام الماضية بنقل السجناء الى مكان اخر لم يحدد. وبحسب المرصد, اسفرت معركة تدمر التي استمرت ثمانية ايام عن مقتل 462 شخصا على الأقل, هم 71 مدنيا و241 من قوات النظام وقوات الدفاع الوطني الموالية لها, و150 عنصرا من تنظيم الدولة الإسلامية. وشكلت تدمر قبل اندلاع الازمة السورية وجهة اساسية للسياح في سوريا, وكان يزورها سنويا اكثر من 150 الف سائح. وقالت مها قندلفت, المسؤولة في شركة أدونيس للسفر والسياحة, وهي من ابرز الشركات في القطاع السياحي السوري, لوكالة فرانس برس "كانت مكاتب السياحة العالمية تطلب ادراج تدمر على راس المعالم الاثرية في برامج الرحلات". وفتحت السيطرة على تدمر الطريق للتنظيم على البادية السورية حيث لا يزال النظام يحتفظ فقط ببعض المواقع العسكرية بينها ثلاثة مطارات عسكرية "س 1″ و"س 2″ ومطار تيفور العسكري. وقال عبد الرحمن "بات التنظيم بعد سيطرته على كامل منطقة تدمر والغالبية الساحقة من البادية السورية يسيطر على أكثر من 95 ألف كلم مربع من المساحة الجغرافية لسوريا", اي ما يوازي نصف مساحة البلد جغرافيا. لكن الباحث المتخصص في الشؤون الجهادية في مؤسسة "كويليام" البريطانية شارلي وينتر قال انه "حتى لو سيطر التنظيم على خمسين في المئة من مساحة الاراضي السورية, لكن ذلك لا يعني انه يقترب من السيطرة على خمسين في المئة من عدد السكان". وبحسب مدير مركز "Bي اتش اس جاينز" لبحوث الارهاب والتمرد ماثيو هنمان, فإن هذا التقدم يمكن التنظيم "من تحقيق مكاسب ميدانية اكثر من النظام السوري الذي تنهمك قواته في خوض معارك حيوية في شمال وجنوب البلاد". واوضح الخبير الفرنسي في الشؤون السورية فابريس بالانش ان سيطرة التنظيم "تؤمن تواصلا جغرافيا مع العراق من خلال البادية السورية". واشار الى ان السيطرة على تدمر تعني ايضا "السيطرة على حقول مهمة للغاز تغذي محطات التوليد الكهربائي السورية". ورأى انه على الرغم من ان تنظيم الدولة الاسلامية "لن يتمكن من استثمار هذه الحقول, لكنه يحرم المناطق الحكومية من جزء Bخر من تموينها بالطاقة". وبات تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر على "الغالبية الساحقة من حقول النفط والغاز في سوريا", فيما تسيطر قوات النظام على حقل شاعر في ريف حمص الشرقي, ووحدات حماية الشعب الكردية على حقول رميلان في ريف الحسكة. ويوجد التنظيم في حوالى 30 في المئة من محافظة الحسكة (شمال شرق) وفي محافظة الرقة باستثناء بعض القرى التي استولى عليها المقاتلون الاكراد وفي كامل محافظة دير الزور (شرق) باستثناء نصف مدينة دير الزور ومواقع اخرى محددة للنظام, والجزء الشمالي الشرقي من محافظة حلب باستثناء بلدة عين العرب (كوباني) الكردية ومحيطها. كما بات له تواجد كثيف في ريف حمص الشرقي من تدمر الى الحدود العراقية, وفي ريف حماة الشرقي (وسط). وعلى الجهة المقابلة, كان لسيطرة التنظيم على كبرى مدن محافظة الانبار وقعا كبيرا. ولدى تطرقه الى سقوط الرمادي يوم الاحد, قال الرئيس الاميركي باراك اوباما ان الولاياتالمتحدة ليست بصدد خسارة الحرب ضد الجماعة الجهادية, مذكرا بتكرار ان الحملة ضد التنظيم ستمتد "لسنوات عدة". وخلال زيارته الى العاصمة الروسية, دعا رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي موسكو الى القيام بدور اكبر في محاربة تنظيم الدولة الاسلامية. من جهته, اكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان روسيا مستعدة للاستجابة "لكافة" طلبات التزود بالسلاح العراقية "دون شروط" مسبقة.