أصبح اسم إدريس البصري يتردد هذه الأيام في بعض الخرجات الإعلامية الغريبة ترددا يثير العديد من علامات الاستفهام بخصوص توقيت هذه الخرجات، و خلفياتها، ومراميها.وحيث إن زمن ادريس البصري-غير المأسوف عليه- يشكل إحالة على منظومة سياسية،وأمنية، وإدارية، وترابية لسنوات من الترهيب، والقمع، والتزوير،والفساد تجندت فيها كل مؤسسات النظام السابق لتشويه، وتمييع الاختيار الديمقراطي، ولتعطيل متطلبات التنمية على مدار عقود من الزمن،فان الحنين اليوم لهذا "الوقت" مع ما يحمله من أبشع ، وأحط،وأسوء،وأرذل، وأقبح النعوت هو حنين لنظام سياسي تجند في سنوات الحكم الشمولي لتعطيل المغرب، ولتعطيل الرهان الديمقراطي الذي دفع من أجله الناس الثمن غاليا، وضحت في سبيله أجيال بكاملها من أجل أن تؤمن لبلادنا حظوظ الانفلات من قبضة الحزب الواحد، ومن نزوات الحكم الشمولي. وهي المرحلة التي أدارتها الأوليغارشية الحاكمة، واللوبيات المخزنية،والدوائر المحافظة للاغتناء على حساب الشعب،ولتعطيل قضاياه الحيوية،ولمسخ العمل السياسي حتى أضحت السياسة سيركا للفرجة المبتذلة.ولو كان البلد حاقدا، لكانت السجون هي المكان الطبيعي الذي سيأوي كل هؤلاء الذين فقروا ، وجهلوا أبناء الشعب.ولو لم تكن الحكمة عنوانا للمصالحة الوطنية،السياسية والحقوقية، لما تكلم بعضهم اليوم لإشهار خطابات المديح بيننا لينبهنا أن إدريس البصري كان شخصا استثنائيا،وعبقريا لدرجة أن أشرس معارضي النظام كانوا مجرد "بركاكة " و"شكامة" لدى الرجل، وبالتالي كل حكايات السجون والاختطاف، والمنافي، والمعتقلات السرية،والقمع،لم تكن إلا "كاميرا خفية" أدارها النظام السابق لكي يمارس الصراع بطريقته الخاصة، ولكي يؤبد سيطرته على الحكم بفضل كل " السياسيين العملاء" الذين تفننوا في نقل معلومات وأسرار الاجتماعات حتى أصبحت اليوم شهادات بعضهم تنقل على صفحات الجرائد في خدمة إعلامية غير مسبوقة.ولا ندري حقيقة هل سيحتاج أرشيف المغرب لمثل هذه الحكايات كي يحققها المحققون،ويعتمدها الباحثون والدارسون،و المؤرخون للنبش في حقائق المرحلة ،وتقديمها للأجيال القادمة كمواد للتاريخ المعاصر؟.أما جيل اليوم،الحي منه،أومن لا زالت ذاكرته تحتفظ ببعض الحياة،قادر أن يشهد على ما جرى، على ما سمع ،أ ورأى،أو عاش.أما أولئك الذين يصنعون وظائفهم الإعلامية الممسوخة على حساب الناس ،فإنهم يسيئون للحاضر والمستقبل.كما يسيئون للتاريخ.
إن ما تحقق في بلادنا من مكتسبات ،وانفراجات إعلامية واسعة بفضل نضالات عموم القوى الديمقراطية،وما ينتظرها من اجل ربح رهانات التنمية والتحديث المجتمعي والثقافي،بقدر ما يكشف حجم الاختلالات العميقة التي تشوب البنيات المجتمعية،بقدر ما يرفع حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق كل القوى الحية من أجل تحصين المكتسبات المنجزة،والدفع في اتجاه الدمقرطة والتحديث، مع ما يفترضانه من معارك ليست أيسر من معارك الماضي.ولعل التصدي للتحريفات التي تمس المسارات الطبيعية، والحقيقية للنقاشات العمومية يعد من ضمن المعارك الحاسمة التي تندرج ضمن رهانات المرحلة الراهنة .