اقفل رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران كل المنافذ التي قد يتسرب منها ما يمكن أن يغرق سفينة حكومته, وأوقف الأصوات المزعجة تفاديا لأن يكتم صراخها نفس المشاورات المختنقة حول الحكومة الجديدة. وقد أدخلت حالة الصمت المثيرة لابن كيران وزراء وقياديي حزبه في حيرة حقيقية. فوزير الشؤون العامة والحكامة الذي وجد نفسه وسط عاصفة من الانتقادات داخل لجنة المالية في مجلس النواب بسبب قرار الزيادة في أسعار الوقود عملا بنظام التجاوب مع الأسعار الدولية المعروف بالمقايسة لم يجد خيارا آخر للدفاع عن نفسه غير رمى الكرة في ملعب رئيس الحكومة ووزيري الطاقة والمالية بعدما وجد أن نواب الأغلبية والمعارضة جنحوا لمعارضة القرار سواء علنيا أو ضمنيا. وقد قال بوليف ردا على انتقادات المعارضة إن قرار الزيادة ليس "قرار بوليف" وإنما قرار يتحمل مسؤوليته هو كوزير للحكامة بالإضافة إلى الموقعين عليه وهم رفيقاه في الحزب عبد الإله بن كيران والوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية إدريس الأزمي, ثم فؤاد الدويري ونزار البركة الاستقلاليان المنسحبان من الحكومة.ولم يكتف بوليف بذلك بل "هاجم" زميله في الحكومة ورفيقه في الحزب مصطفى الخلفي وزير الاتصال على "الزربة" في الكلام التي جعلت الخزينة العامة تخسر 200 مليون درهم أضافتها الحكومة لمليار درهم لإحدى الشركات التي كانت تفاوضها حول التأمين على أسعار المحروقات.
لكن بوليف ليس الوحيد الذي أربكته التغيرات السياسية الحاصلة في البلاد, والتي تنذر بقلب المواقع والوقائع, فالأزمي واجه نفس المصير في إحدى البرامج التلفزيونية, حيث عطل ارتباكه قدرته على التمييز بين ما هو حكومي وما هو شخصي. وحين سئل حول احتمال مغادرته لمنصبه في التشكيلة الحكومية المقبلة أجاب أن هذا الموضوع "قضية شخصية", وأنه "هنا لمناقشة قضايا عاما" قبل أن يضيف "أن الأمور الشخصية لها مكان آخر".ولا يعرف إن كان الأزمي يعني ما يقول أم أن فجائية السؤال أربكته للحد الذي خلط فيه بين مسؤوليته الحكومية وأموره الشخصية. ويبدو أن الأزمي نسف مساعي رئيس الحكومة الذي يسعى لتلميع صورته ومحو الصورة التي ترسخت عند كثيرين ويبدو فيها الوزير باكيا أمام صهيل زعيم حزبه في أحد مؤتمرات الحزب في الرباط.
وقد قرر عدد من قياديي ووزراء العدالة والتنمية التوقف عن التعليق على مجريات تشكيل الحكومة بعدما أيقنوا أن هجماتهم لا تفعل غير تثبيت أقدام مزوار في المالية وليس العكس.وطالما أنه لا خيار أمامهم سوى التسليم بما يفرضه الطرف الغالب وهو الأحرار في هذه الحالة كونه يوجد في المعارضة ولا شيء يرغمه على إنقاذ الحكومة من الانهيار, فقد دفع الحزب الحاكم بالأزمي إلى واجهة المقابلات الصحفية سعيا وراء إقناع المشككين في قدراته. لكن ورطة الأزمي حين اعتبر أن مسألة وجوده من عدمها في الحكومة أمر شخصي قد تؤدي إلى المفعول المعاكس لما كان يخطط له الحزب الحاكم.
والواقع أن حزب العدالة والتنمية وجد نفسه بعد مغادرة حزب الاستقلال للحكومة بشكل غير متوقع في مأزق.,زاده سكوت ين كيران تعقيدا. وهو الأمر الذي جعل صقور الحزب الحاكم لا يعرفون كيف يردون على الصحافة,هل بمهاجمة مزوار أم بالركون إلى الصمت عملا بسكوت رئيس الحكومة الذي أصبح زاهدا في الحديث عن حكومته و أغلبيته وحتى مشاوراته. حتى أن وزراء وقياديين لا يعلمون شيئا عن المفاوضات " وما فروسهم ما يتعاود" على حد تعبير أحدهم.
ربما اقتنع بن كيران أخيرا أن الفصل فيما كل ما يقال يحتسب بالنتائج وليس بالكلام. لذلك أطلق عبارة موحية في المناظرة الوطنية الأولى للبحث العلمي والتنمية حول الفوسفاط في الصخيرات الخميس الماضي,حين قال إنه يمكن الاستغناء عن كلمته لأنه كرئيس للحكومة لا يمكنه الحديث في كل شيء. هكذا فطن بن كيران بعد مضي عامين على تسلمه السلطة من أن كلامه يمكن الاستغناء عنه. لكن ذلك الاستغناء كان يحمل معاني أخرى شرحها بن كيران في اليوم الموالي حين حضر أشغال الإعلان عن ميثاق إصلاح العدالة, فقد رمى بكرة المفاوضات الملتهبة في ملعب الملك,وقال إنه ينتظر كما الآخرون. لم تكن تلك سوى محاولة أخرى لن تكون الأخيرة لإعادة تصويب نيران الانتقادات من الحزب إلى القصر.