هل انتهى شباط؟ وبهذه السرعة؟ كأنه جندي في مهمة انتحارية، نسف الهدف، وانفجر معه... وترك الآخرين يجمعون الأشلاء ويرممون الجدران، دون أن يعبئوا بجثثه المتفحمة... لنطرح السؤال من داخل منظومة حزب الاستقلال، الحزب الذي عرف بولائه للقصر منذ ولادته، والمعروف بمحافظته وتقليدانيته، هل ما انخرط فيه شباط كان يتماشي وهوية هذا الحزب؟ لباس ذلك النفس الحجاجي ضد سياسات هو يعرف أكثر من غيره، بحكم تمرسه بالعمل الحكومي منذ نشأته، أنها (اي السياسات ) لا تطبخ في مطبخ الحكومة، وأنها تأتيها جاهزة وبالديلفري من الماسكين بزمام تدبير الشأن العام في خلفية الصورة، اي المحيط الملكي وحكومة الظل وما إلى ذلك من أجهزة التحكم، السياسية والأمنية والاقتصادية... هي لعبة للأسف لا يلعبها وحده، حتى بنكيران، رئيس الحكومة، والذي تكبر في نفسه غصة الشماتة، لكنه لا يستطيع تفجيرها في وجه الذين شمتوه وشمتوا فيه، ينخرط في هذه اللعبة، بالشكل المرسوم لها، بدل أن يغضب، كما فعل بعض من وزراءه وآخرهم شوباني الحبيب، ويلقي مفاتيح هذه المهزلة في وجه الذين يكركزونه ويكركزون خصمه قبالته بشماتة واستهزاء، فضل أن يجاري التيار، وأن يلعب لعبة الحكيم، الماسك بخيوط الاستقرار الهش الذي تعرفه البلاد من جهة، والفرص التي منحها الدستور والحراك الاجتماعي بشكل عام... بنكيران وهو يوارب بانتهازية كبيرة، كان يعول على انفجار الشارع مثلا، على خروج هؤلاء الذين خانهم في لحظة ما ومنع أعضاء حزبه وشبيبته من الالتحاق بهم، اي منتسبي عشرين فبراير، مقابل صفقة بليدة، لم تسفر سوى عن إفراج مشروط لجامع معتصم، هو الآن في وضعية المتابع في إطار سراح مؤقت، وللقضاء في أي وقت، استدعاءه للمثول أمامه وربما إدانته وإعادته إلى السجن... كان بنكيران يعول على ذلك ليعيد تسخين طنجرة البلاد، ويمدون هذا التفجير إلى درجة الاحتراق، كي يستطيع إعادة مسك زمام أنبوب المطافئ ويلوح به في وجه خصومه، ناسيا أن التاريخ لا يكرر نفسه مرتين، وإن فعل فبشكل مثير للسخرية... الذين سينفجرون الآن، سيفعلون ذلك في وجه خصوم ألأمس، وفي وجه من يعتبرون خائنين لتطلعاتهم، وعلى رأسهم حزب العدالة والتنمية ورئيسه بنكيران... من هنا، فمن غير مستبعد أن تكون نهاية شباط المبكرة ضربة حظ موفقة له، ستمكنه ربما من الابتعاد من فرن السياسة، ولما لا الانزواء في إطار تقاعد مريح في كندا، حيث يحمل هو عائلته بطاقة إقامة دائمة كمستثمر هناك ، أو في ضواحي مدينة سلا حيث يشيد فيلته الفخمة، منتشيا بغزوته الصغيرة على بنكيران وربما كاتبا لمذكرته كأول ثوري في عهد الدستور الجديد على طاغية اسمه بنكيران... في مذكرته هذه قد تكون له جرأة البوح بمن كان يحركه، وما هي مصلحته الضيقة والواسعة في هذا التحرك، لأنه ما من أحد، صدقه أو سيصدقه وهو يقول أنه فجر الأغلبية لأن بنكيران كان يعتزم الزيادة في ثمن قنينة الغاز، أو كان يعتزم في النقص من وزنها... في انتظار ذلك، ليس لنا سوى أن نهنئه على تقاعده المستحق، ونتأسف لبنكيران لما ينتظره...