ساعة ونصف من لقاء بنشماس بالصحافة في إطار فعاليات ملتقى وكالة المغرب العربي للأنباء، يجلس هو على المنصة العالية بحوالي متر ونصف عن أرضية القاعة، وبجانبه صحفي أصلع الرأس ويرتدي نظارات سميكة، وعلى الطاولة الطويلة التي يقعدان إليها قنينتان من الماء المعدني، وزهور قليلة بلون حجري وأخرى بيضاء، مكبرات الصوت كأذناب جرو رفيعة وسوداء... القاعة ممتلئة عن آخرها، على خلاف لقاءات أخرى لقادة سياسيين آخرين، يملأها شباب ويافعون، شابات صغيرات يذرعن القاعة جيئة وذهابا بأكعاب أحذيتهن الرقيقة محدثة أصوات مزعجة، لا ينتبهن إلى صرامة بنشماس ولا إلى اهتمام الهاشمي خليل الإدريسي، مدير وكالة المغرب العربي للأنباء، الذي لم يعلق على مقترح الضيف بتغيير اسم المؤسسة إلى وكالة المغرب الكبير التي لا تحتاج إلا إلى مرسوم من الوزير الوصي...
خليل هاشمي الإدريسي، كان يجلس في مقعد في خلف القاعة، كمتواضع ربما لكن الأكيد كرب مقاولة يراقب أداء المشتغلين معه وبه والأكيد أنه سينادي الصحفي ذو الرأس الأصلع، الذي كلف بتسيير الندوة ليوبخه على طريقة جلوسه بالقرب من الضيف... مع ملاحظة أن هذا الصحفي كان يجلس بشكل سوي، فقط لأن على المدير واجب إبداء الملاحظة وربما التقريع والتوبيخ...
لم يتسن لي معرفة من كان حاضرا من الوجوه السياسية، لكن عدد الصحفيين وخاصة المصورين منهم وانكفاءهم على تصوير بعض الوجوه في مقدمة القاعة، كان يفيد بأن الحضور وازن، لكن الأكيد أن بنكيران لم يكن في الصفوف الأمامية ولا كان بوانو ولا أفتاتي... وإلا لصعدوا إلى المنصة ليردوا على تقريعات بنشماس، خاصة أن القاعة لم تكن محكومة بضوابط التوقيت مثل مجلس المستشارين، حيث يصول ويجول رئيس الحكومة، ثم يعطي الكلمة لرئيس فريق الأصالة والمعاصرة في حيز زمن لا يتعدى سبعة دقائق لا تكفيه لينفث في وجهه كل الانتقادات ويرد له الصاع صاعين....
تنتظرون في هذه التغطية معرفة ما قاله بنشماس؟ من حقكم هذا الانتظار، لكنني شخصيا لست متحمسا لنقل كل أفكاره، والتي حتما يمكن معرفتها من خلال تتبع تدخلاته في التلفزة أو ما ينشر عنه في الصحافة، كما يمكن للذي يهتم بالفعل بما يفكر فيه السيد حكيم بنشماس ان يزوره في مكتبه في مقر الحزب بطريق زعير أو في مكتبه بجماعة يعقوب المنصور... لكن هنا أرى أنه من الأفيد أن تعرفوا انه لم يأت إلى اللقاء وهو مرتد جلبابا بل كان يرتدي بذلة عصرية، وهذا مفهوم، لأنه يمثل جناح المعاصرة في حزبه، المكلف بارتداء الجلباب هو بيد الله الذي لم يكن حاضرا بالأمس...
ومع ذلك، لا بد من نقل القليل من الأفكار التي عبر عنها السيد حكيم بنشماس، فقد قال أن حزبه لن يشارك في الحكومة، قالها وهو متجهم ومقطب حاجبيه، بشكل قطعي وبات ولا رجعة فيه، حتى لو توسل إليه بنكيران واعتذر بوانو... لا مشاركة في الحكومة، بل أكثر من ذلك قال ان "لي دارها بيديه يفكها بسنيه"، رغم أن بنكيران وهو يتحدث عن أزمة أغلبيته يعتقد أنه لم يفتعلها بيديه كما يدعي بنشماس، بل هناك من افتعل ضده هذه الأزمة، ويشير في بعض الأحيان إلى بنشماس وأصحابه، كما أنه عرض حصيلة تدبير حزب العدالة والتنمية للشأن العام خلال سنة ونصف، وخلص إلى الأوضاع الكارثية التي وصل إليها المغرب، وأن السبورة سوداء، وأن الاحتقان على أشده، ولحظة الانفجار وشيكة ومطالب الشعب كبيرة وكل ذلك بسبب بنكيران المستهتر وغير المسؤول والمغرور والمتكبر...
عند انتهاء الندوة، وعبر مذياع السيارة، أستمع لتغطية نشاط ملكي بمناسبة استقبال ملك إسبانيا، والمذيع يقول بكل بشاشة ومرح، وبطريقة تختلف عن تجهم بنشماس: المغرب، البلد الذي يعرف نموا وتطورا أذهل العالم بأجمعه، وذلك بفضل القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة نصره الله....
من سنصدق؟ مذيع على الهواء... أم بنشماس في وكالة الأنباء؟