هل هي بداية تراجع لفوبيا المد الاسلاموي في الشارع العربي؟ سؤال يطرح نفسه بالحاح بعد حدث الانقلاب الناعم الذي نفذه الجيش المصري ضد ريس الاخوان مرسي والأخطاء الفادحة التي ارتكبها هؤلاء في أول تمرين له لم يدم طويلا في تدبير شؤون الحكم. كما يجد هذا السؤال شرعيته في الموقف الغامض والملتبس للإدارة الأمريكية ، و الغرب عموما، إزاء ما تعرفه أرض الكنانة من تطورات سياسية متسارعة ومرعبة في الآن ذاته، كان آخر حلقاتها وليس الأخير، الانتقال من حكم الإخوان إلى حكم العسكر فإدارة أوباما وإن كانت حذرت في البداية عسكر السيسي من أي تدخل يمس بالعملية الديمقراطية ونبهت الرئيس إلى ضرورة الاستجابة لمطالب الشارع، مع ما يحمله ذلك من تناقض واضح بين الظهور بمظهر الراعي للشرعية صناديق الاقتراع والداعم لثورة شباب ميدان التحرير الثانية، إلا أنها لم تدن الانقلاب كما أن دعوتها مرسي للاستجابة لمطالب المحتجين كانت تعني ببساطة التنحي عن الحكم وتنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها، وهو ما استعجله الجيش الذي يعد جوهر الدولة في مصر وتناط به وظائف خارجة عن وظيفته الطبيعية في حماية الحدود والذوذ عنها ضد الأعداء نحو إعادة رسم خارطة طريق سياسية انتقالية كما حدث مع مبارك ويحدث اليوم مع مرسي فالجيش المصري يمثل الثابت الذي لا يموت و المحتوي للثورات والتمردات ضد السلطة ، أو لنقل بصريح العبارة إنه جوهر الدولة العميقة الذي استغفل مرسي فبدا هذا الأخير أغبى رئيس دولة عربي في الشرق الأوسط لأنه اعتقد لحظة ما أنه فعلا القائد الأعلى للقوات المسلحة وحاول إقناع الجميع بأنه يتحكم في الجيش. وأن الولاياتالمتحدةالأمريكية ومكالمة أوباما ستقوي عضده ضد المحتجين، فكان خطابه الأخير المفاجئ عنوانا عن غباء واضح هو و ومستشاريه لما اعتقدوا أنه الجيش لن يتدخل من أجل تغيير الوضع بعد نهاية المهلة التي منحها إياه وأن أمريكا ستثنيه عن ذلك، فكان ما كان... وحدث الانقلاب الناعم بعد تلقي السيسي إشارة التحرك من واشنطن رغم تشبث الأخيرة بأنها تتابع العملية الانتقالية بمصر عن كثب. ...ولم يعد لمرسي من حل سوى إذاعات بيانته خلف ستار لحث إخوانه على مواجهة العسكر لأصي سرق ثورته، أقصد حكمه. زمن الإخوان انتهى بمصر وستكون له تبعات بدون شم في باقي دول الربيع العربي وإن اختلفت ظروف وطبائع أنظمتها وثقافة شعوبها، إلا أنه لا يجب أن ننسى أن مصر تعد اليوم شرارة الثورات والانقلابات الناعمة و التحولات الجارفة التي تشهدها المنطقة العربية ككل بل نموذجا لاحتجاجات الشعوب التي كسرت جدار الخوف ضد الأنظمة الشمولية كيفما كانت شرعيتها فالعالم بأسره اليوم يتتبع ما يقع في مصر .