أتابع بقلق بالغ الحملة المسعورة التي يشنها أناس آتون من القرون الغابرة على شخص وفكر الصديق أحمد عصيد بدعوى أنه كافر وأنه شكك أو أعاد النظر في متون العقيدة الإسلامية. لست هنا أدافع عن أحمد عصيد فهو أجدر بذلك وهو قوي بالفكر والمنطق ضد الادعاءات المبنية على اللغة البيانية الحماسية التي عانت منها الأمة العربية والتي بسببها استفاقت في يوم من الأيام على جيوش الاستعمار تدق بابها بسبب اعتقاد جزء كبير منها بأنها الطريق الوحيد لفهم العالم. لا أدافع عن أحمد عصيد إلا في اختياره الحر أن يكون كما قرر واختار أن يكون. وإن كنت في كل هذه الحملة، أعذر أقطاب السلفية الشبان الذين شاخوا قبل الآوان أو الذين ولدوا بعقول شائخة ومتكلسة بسبب عجزها عن التمييز بين التوجه إلى جحافل الجهلة التي تستمع إليهم كل يوم وبين المقارعة بالبرهان والدليل فإني سوف أتوقف عند رأي المدعو محمد بولوز(التوحيد والإصلاح) نظرا لما استعمله من قاموس يمزج، في تضليل واضح، بين مبادئ الحوار الديموقراطي الحداثي العلماني ومطلقيات التسلط الاستبدادي الآتي من القرون الغابرة. وذلك في نص له نشره يوم الثلاثاء 23 ابريل 2013 بموقع لكم. عنوان مقالته: " عندما تصادر الطغمة العلمانية الحاقدة حقوق الأمة في الاختيار." أرجو القراء وخصوصا مريدي هذا النوع من الخطاب أن يتوقفوا ولو قليلا عند هذه الجملة ويتساءلوا معي: هل يتوفر العلمانيون على قوة عسكرية أو بوليسية أو ميليشيات (مثل الظلاميين) تنتشر في الأرض وترهب الناس و تطالبهم بالابتعاد عن الدين؟ هل للعلمانيين ذلك الجيش العرمرم من الدهماء الذي تطلقه الجماعات المتشددة دون حسيب أو رقيب ودون أدنى مقومات التفكير السليم على كل من طالب بالحقوق الفردية ومنها حرية المعتقد؟ من الذي يصادر وصادر بالفعل الحق في حرية المعتقد عندما كانت لجنة المنوني تحرر الدستور الأخير للمغرب؟ من الذي نزل إلى الساحة، ساحة تمارة، وأرغد وأزبد وهدد بالنزول إلى الشارع في استعراض واضح للعضلات إن قررت اللجنة عرض نسخة الدستور على الاستفتاء متضمنة لحرية المعتقد؟ أليس هو الشخص نفسه الذي يخلفه المدعو بولوزعلى رأس الجمعية التي تفتي من وراء ستار باسم الحركة السياسية؟ هل سيظل الناس يثقون بهذا الكلام وبالتباكي كما أنكم لا زلتم في المعارضة؟ هل للعلمانيين كل هذا النفوذ حتى يستأصلون هؤلاء المساكين الذين يمسكون بزمام الأمور اليوم ويمسكون بوزارة العدل والحريات ووزارة المجتمع المدني؟
الخطير في كلام هذا الشخص الذي يمثل الذراع الإيديولوجي للحزب الجالس على رأس الحكومة اليوم والخطير في الأذرع المكملة له وجوقة المهرجين الذين يقومون بتسخين الساحة (الفيزايزي وغيره) هو أنهم يستهدفون من وراء كل هذا حرية الفكر والإبداع. مفاد هذه الحملة والتي يشتم منها تشجيع نفس الجهات التي أوعزت للتقليدانيين بالوقوف ضد تضمين الدستور فقرة عن حرية المعتقد، هو ثني المفكرين الأحرار والمبدعين عن إعادة النظر في المسلمات البائدة والتي انتهت صلاحيتها ووجب تجاوزها. ومن أهم ما يستهدف في هذا الباب وكما يقول محمد بولوز نفسه : "الدخول من باب حقوق الإنسان وغيرها من الأبواب المصطنعة" لكي يضيف ويعري على موقفه المعادي للفكر المختلف عنه حتى وإن كان ينتمي لنفس المرجعية الدينية التي يدافع عنها وخصوصا عندما يهاجم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي قائلا:
"ليرفرف (المقصود أحمد عصيد) بعيدا في آفاق التحرر والحداثة واللامعنى على منهج من قال
لقد صار قلبي قابلا كل صورة..........فمرعى لغزلان ودير لرهبان وبيت لأوثان وكعبة طائف.............وألواح توراة ومصحف قرآن
هذا كلام واضح لمن يعرف المراجع والمصادر. الإشارة إلى ابن عربي إحالة واضحة على ابن تيمية وعلى عصر عرف بتحجر دفع البلاد إلى الانحطاط والتخلف. ما الذي تستفيده هذه الجوقة إن كانت تعرف أن دينها محصن وأن العامة أقبلت على الدين بالغريزة وأن الإسلام فعلا كان فتحا ولم يكن غزوا؟ ما الذي ستفقده، إن لم يكن رصيدها من الدهماء الذي تحافظ عليه بحفاظها على الجهل، إن هي اعترفت أن من بين المغاربة من هو أكثر قلقا بالسؤال وأنه لا يقبل بالشيء حتى يتفحصه من جميع أوجهه فإن شاء قبله وإن شاء رفضه تماما كما هو حقهم هم في الإقبال على العقيدة وقبولها دون سؤال وبخضوع تام؟ ولكن المستهدف، تماما كما كان عليه الأمر في القرن الثالث عشر الميلادي مع ابن تيمية، هو حرية الفكر والإبداع. لكن الفرق الذي لا ينتبه له هؤلاء هو أن التاريخ لا يعود إلى الوراء مرتين. وأن فكر ابن تيمية أبان عن محدوديته كإيديولوجية رسمية للوهابية وهاهو يتآكل اليوم لأنه وكما يقول هذا الدعوي هبت ريح حقوق الإنسان وهي مطالبات فرضت نفسها على المجتمع ليس فقط من خلال ما يقوله أحمد عصيد ولكن أيضا من خلال ما تطالب به المنظمات النسائية والحقوقية وأصحاب الحقوق النوعية والحركات الثقافية الوطنية والمحلية... كما يجب أن يعلم أن حتى تلك المجتمعات المحكومة بقبضة السيف والبترودولار بدأت تتململ وبدأ العد العكسي بها عندما صارت تقبل بكل ما اعتبره علماؤها ودعاتها من قبل عملا من عمل الشيطان: ألم يرفضوا آلة التصوير والتليفون والراديو والتلفزيون والقطار، وسياقة المرأة للسيارة، والحقوق المدنية...ثم عادوا ليقبلوا بها تدريجيا ودون تقديم أي دليل على تنازلاتهم.