لن يجرؤ رئيس الحكومة بنكيران على القول إن المواطنين في بودنيب فرحون ومبسوطون، ولذلك خرجوا للتظاهر حاملين معهم قناني البوتاغاز الفارغة، لقد عودنا دائما على القول إننا سعداء به وبما ينجز، لكنه هذه المرة سيفكر في الأمر مليا قبل أن يقدم على مدح نفسه. ولن يجرؤ عبد الله بوانو على اتهام قناني البوتاغاز بالتشويش على حزبه، ولن يدعي أنها تسعى إلى إسقاط الحكومة، لأن المشكل هذه المرة أن القناني فارغة، ولا يطالب المواطنون في بودنيب إلا بملئها، وأكثر من ذلك، فالقناني ليست كائنات حية، كي تتهم بما لم ترتكبه.
طبعا هذه قضية لا تعني شيئا، وأن يخرج الناس في بودنيب ويحتجوا على غياب المادة التي يطبخون بها ويستحمون، فإنها مسألة غير ذات أهمية، ولا ترقى إلى لغة التشويش والتماسيح والجهات والنزول إلى الشارع التي يحبها بوانو وأفتاتي وبنكيران والمقرىء وباقي طائفة لاطمي الخدود الذي يشقون الجيوب ويبكون منذ نجاحهم في الانتخابات دون توقف، ويظهر أن لا أحد منهم سيكلف نفسه مشقة الحديث عن هذا الموضوع، لأنه ببساطة لا يعنيهم ولا يدخل في دائرة اهتمامهم، باعتبارهم حكومة، دورها الأول هو الاهتمام بمشاكل المغاربة وحلها.
أفتاتي الذي كان حريصا على منع فيلم في طائرة، وحريصا أكثر على الحضور إلى المحكمة لمساندة الشيخ النهاري، لا يهمه هذا المشكل، لأنه غير مربح إعلاميا ومكلف ومحرج لرئيس الحكومة، والأفضل لطائفة البكائين أن يبقى النقاش منحصرا في التماسيح والعفاريت، وفي العفة والجهات الخفية وفي الهروب قدر الإمكان من أي مبادرة حقيقية، لأن ذلك يعفي من المسؤولية ويخلق فرجة تلهي الناس وتنومهم كي ينسوا ما يحتاجونه فعلا من هذه الحكومة. لقد بدأ المواطنون المغاربة وبعيدا عن المركز وفي أقاليم مهمشة ينزلون فعلا إلى الشارع، لأنهم متضررون ويعانون في حياتهم اليومية، وليس كما هو الحال بالنسبة إلى عبد الله بوانو الذي يهدد بالنزول إلى الشارع من أجل التمكن والاستحواذ على السلطة وإخضاع المعارضين، الذين عليهم التزام الصمت، وترك الحكومة تخرف كما يحلو لها، وتعيش وهم أنها تقوم بشيء ما.
هناك خطر محدق بالمغرب، وأن يتحول الاحتجاج في الشارع إلى ظاهرة، في بلد يدعي أن فيه انتخابات وبرلمان يمثل المواطنين وحكومة ومؤسسات دورها أن تكون وسيطا بين ما يطالب به الناس وطرق تحقيقه، يعني أن من يلعب دور الوسيط لا يقوم بمهمته، لأنه منشغل فقط بتمكين نفسه والدفاع عن مصالحه الضيقة، إلى أن أصبح غير قادر على توفير قنينة غاز مملوءة وهي حالة لم نسمع بها ولم نكن نتوقع أن تحدث حتى في أشد الفترات حلكة.
هناك من هو سعيد بما حدث في زايو ويحدث اليوم في بودنيب، ويتمنى صادقا أن تنتشر العدوى في كل إقليم ومدينة، ولذلك على بنكيران وطائفة المدافعين عنه، أن يتحملوا مسؤوليتهم، وأن يؤكدوا لنا أنهم حكومة فعلا، وأنهم معنيون بالمغرب وليس ببقائهم، وبمحاربة طواحين الهواء، ولا أحد يظن أن مسألة إيصال قنينات الغاز إلى ساكنة إقليم الراشيدية مسألة صعبة إلى هذا الحد، إلا إذا كانت قنينات الغاز تشتغل مع الجهات هي الأخرى، وإلا إذا ظهر قيادي من العدالة والتنمية ليخبرنا أن إلياس العماري هو الذي أفرغها بمساعدة من التماسيح والعفاريت، وهذا نقاش آخر، وإذا حصل، فسنتأكد حينها أننا نملك حكومة مجنونة ومستقيلة، يمكنها لو استمرت على حالها هذا أن تفضحنا أمام العالم، وتجعل الصحافة الأجنبية تتحدث عن ثورة البوتاغاز في المغرب، في الوقت الذي أطلقت الشعوب الأخرى على ثوراتها أسماء جميلة مثل الياسمين والفل، وكي لا يحدث ذلك رجاء املأوا القاني وحذار أن تزيدوا في ثمنها وأنتم تذرفون الدموع.