لا تشتهر كينيا باحتضانها لأشهر جهاز شرطة مرور فاسد بإفريقيا فقط، بل تشتهر أيضا بكونها الدولة الموجود بالعاصمة نيروبي،KIBERA التي تحتضن أكبر حي صفيحي بإفريقيا، ألا وهو كاريان كيبيرا حيث يأوي هذا الكاريان ما بين 800 ألف ومليون نسمة في مساحة ضيقة جدا لا تتعدى 4 كلم مربع. ،وهو Robert Lombassiولمحو هاتين الصورتين (فساد الشرطة والكاريان) تجرأ روبير لامباسي شرطي مرور وعازف موسيقي معروف بكينيا، رفقة سبعة من زملائه في البوليس (وهم موسيقيون أيضا) على تنظيم حفل موسيقي بكاريان كيبيرا، ليس طمعا في مال أو في «غرامة» (غرامة بالمعنى الشعبي) بل لتكسير الصورة النمطية ولحث النخب الكينية المتكلسة على نبذ سياسة الكافيار (أي الندوات في الفنادق الفخمة دون النزول للشارع) ونبذ تلويث المواطن الكيني بالخطب الجنائزية والشعارات العدمية. « كلنا نعلم - والكلام لروبير لامباسي (38 سنة)- أن جهاز الشرطة هو الأكثر فسادا في البلاد، لكن جئت لأغني وأنا أرتدي بذلة شرطة المرور رفقة زملائي لأقول لسكان كيبيرا : « يمكنكم أن تغيروا أوضاعكم، ونحن أيضا». خطوة هذا البوليسي – المغني بكينيا لم تذهب سدى لأنها أيقظت المجتمع الدولي من سباته لدرجة أن هناك تحركات في هذه الأيام لإيجاد صيغ لحشد التمويل الدولي لتحسين شروط عيش السكان، كما نبهت هذه الخطوة سلطات كينيا إلى مشكل أخطر وهو غياب العجزة بهذا الكاريان الذي يضم ثلث سكان العاصمة، ليس لأن الكاريان تسكنه «الملائكة». بل لأن البؤس والفقر والمرض يفتك يوميا بالناس لدرجة أن معدل أمد الحياة لا يتجاوز35 سنة في هذا التجمع الصفيحي، في الوقت الذي يصل فيه المعدل في كينيا إلى 54 سنة. ترى، كم نحتاج من روبير لامباسي في المغرب لفضح نخبنا الحزبية و فضح النخب المنتمية لبعض الجمعيات التي احترفت المتاجرة بالفقراء وسكان الهوامش بمدننا؟ كم من مغني ذهب للأحياء الفقيرة؟ كم من مسِؤول إداري (عاملا أو مندوب وزارة) ترجل في دروب المدن المنسية والكاريانات القذرة؟ كم من رجل تعليم اقترحته النقابات ليعمل بشكل تطوعي في ساعات الدعم بمدارس وإعداديات الكاريانات وأحزمة البؤس؟ كم من رجل أعمال خصص جزء من أرباح شركاته كمنح لتمويل إعادة تأهيل المعطلين بالكاريانات والأحياء الفقيرة أو لتمويل تعليم بعض التلاميذ النجباء؟ كم من مسؤول حزبي نظم تجمعات داخل أكواخ الكاريانات وداخل الغرف الضيقة بأحياء المهمشين لرصد تطلعاتهم وزرع الأمل في قلوبهم اتجاه نخبة بلدهم؟ كم من ناد رياضي خصص من مقاعد لأبناء هذه البؤر؟ فإذا كان من فضل لهذه الدينامية والحراك السياسي اليوم من كونها فتحت الباب لبناء مغرب آخر لما بعد 20 فبراير، فالأمل أن تكون مبادرة «روبير لامباسي» فأل خير لتصل العدوى إلى بلدنا لتطهيرها من نخبة الكافيار ومن ساسة الكافيار ومن صحافة الكافيار ومن أحزاب الكافيار!
عبد الرحيم أريري، مدير نشر أسبوعية «الوطن الآن» افتتاحية العدد 433 الخميس 9 يونيو 2011